محال بيع الزهور ما زالت تنثر شذاها في بغداد

رغم تناقص عدد الزبائن

TT

لم يعد الاهتمام باقتناء الزهور الطبيعية شائعاً في العراق مثلما كان رائجاً قبل سنوات الاحتلال التي حدت بالعديد من المهتمين الى اختيارات اصبحت بدائل مع مرور الوقت وان كانت غير مرغوبة في السابق، الا ان الوضع استدعى ان تكون مهنة بيع الزهور قابلة للتغير مع تغير اذواق المجتمع العراقي وتغيير الكثير من العادات التي كانت دارجة في السابق.

فمحال بيع الزهور لها مع هذا التغيير اكثر من وقفة، فكان لـ«الشرق الاوسط» هذا الحوار مع اهم واقدم محال بيع الزهور في بغداد.ام سارة صاحبة محل (الحلوة) في ساحة الواثق احدى اهم الساحات والمناطق في بغداد، استقبلتنا مبتسمة وهي منهمكة بتشكيل باقة من الزهور الطبيعية، وتقول «افتتحت محلي هذا منذ بداية ثمانينات القرن الماضي، والى الان انا متمسكة بهذه المهنة وبمحلي الذي يعد اقدم المحال في المنطقة، بالرغم من بعض الصعوبات التي تواجهني الا انني لا استطيع ان اتخيل نفسي بدون الزهور». وحول مدى اقبال الزبائن على اقتناء الزهور، تؤكد ام سارة، «ان زبائني اغلبهم تركوا البلاد، والقلة الباقية تصل نسبتهم الى 1%» وتضيف «اصبح من النادر ان نجد متذوقي ايام زمان ـ على حد تعبيرها ـ هناك من لا يفرق بين الزهور الطبيعية والصناعية، وهو اشد ما يؤلمني عندما اصادف خلال عملي هكذا اشخاص سيما وان اغلب من يفد الى محلي من هذه الشاكلة».

وفي سؤال عن اكثر ما يتم بيعه من الزهور في الوقت الراهن تؤكد أم سارة «ابيع نوعين الطبيعي والصناعي، والأخير يلاقي رواجاً اكثر لدى اغلب الزبائن من الطبيعي بسبب ان الزهور الصناعية تبقى لمدة اطول فهناك من يفضل شراءها لضمان بقائها على اعتبار ان الزهور الطبيعية تذبل وتموت بعد يومين». ولكنها تضيف «ان الزهور الطبيعية تعبر عن مدى قيمة وتقدير الشخص الذي تقدم له هذه الزهور، ومع هذا فان الزهور الصناعية لا تقل قيمة عن الزهور الطبيعية خاصة واننا نحاول ان نستورد النوعيات الممتازة منها، الا ان الزهور الطبيعية تبقى اكثر شاعرية لما تحمله من معان جميلة». وحول مصادر الزهور تقول أم سارة ان اغلب الزهور الطبيعية تصل من عمان وسورية عن طريق النقل البري وهو ما كان متبعاً قبل الاحتلال «كنا نعتمد على عمان وسورية وكذلك ايران عن طريق الاكراد يتم تجهيزنا بالزهور الطبيعية». وتزيد «في الوقت الحاضر عملية نقل الزهور باتت تعترضها الكثير من المصاعب وبالتالي فان عملية التعامل بالزهور الطبيعية قلت اكثر من السابق فضلاً عن عدم توفر الكهرباء بصورة مستمرة كلها عوامل تؤدي الى تلف الزهور الصناعية وبالتالي فاننا فضلنا ان يكون التعامل بالزهور الطبيعية، ونعتمد على الطلبيات المحدودة والتي غالباً ما نؤمن لها الورود الطبيعية قبل ايام من الطلب لضمان عدم تلف الزهور ووصولها بسلام الينا عن طريق سائقي الطرق الخارجية».

وتشير أم سارة الى عزوف العوائل عن استخدام الزهور الطبيعية في اعراسهم ومناسباتهم الخاصة وترى ان السبب يكمن في ان «العائلة العراقية الان باتت مقيدة بالوقت واصبحت مناسباتها مرهونة بالوضع الامني وعليه فان اغلب المناسبات باتت تحصل في النهار ولا تتجاوز الساعات القليلة وبالتالي فانها تجد نفسها غير مجبرة بتكبد مصاريف اقتناء الزهور الطبيعية لمناسبة لا تتعدى الساعات القليلة، حيث كانت في السابق تحاول العوائل ان تكون مناسباتهم مميزة وتستمر الى الساعات الاولى من الصباح فكان الموضوع يستحق بحسب رأيهم ان تكون اختياراتهم باهضة».

وخارج إطار العوائل توجد هناك طلبات على الزهور من بعض الوزارات والأجهزة الحكومية غير ان الطلبيات تتركز على الزهور الصناعية.

وحول المهنة تضيف ضاحكة «انها مهنة مربحة وجميلة الا انها متعبة للغاية، ولهذا فان هناك كادرا يعمل معي واغلبه من الرجال لسهولة التعامل معهم».

اما حسن، وهو منسق للزهور في محل ريحانة في منطقة المنصور، فيقول ان المحل الذي يعمل به يعد من اقدم محال بيع الزهور في العاصمة بغداد ومنذ العام 1971، ويبين لـ«الشرق الاوسط» ما آلت اليه هذه المهنة، «اصبحت مرهونة بالأوضاع حالها حال اغلب المصالح في البلاد، الوضع الامني اثر بشكل كبير على منهة بيع الزهور سيما وان اغلب الزبائن تركوا البلاد ومتذوقي الزهور اختفوا سيما الذين المتعاملين بها سواء بإهدائها بالمناسبات او حالات المرض وحتى المناسبات الحكومية» وعن اهم مصادر الزهور الطبيعية يؤكد «سابقاً وفي الوقت الحاضر تأتي الزهور من عمان وسورية، ولكن كان هناك مهندس زراعي افتتح مشروعاً يقوم من خلاله بتجهيز الزهور الطبيعية ونجح المشروع وبات منتجه يضاهي ما هو مستورد ولكن بسبب الوضع الامني السيئ وهروب الكفاءات فضل غلق هذا المشروع وترك البلاد خوفاً على حياته» ويضيف «الان التركيز بات على الزهور الصناعية وأسعارها تتراوح بين (35 ـ 40 الف دينار) للباقة الواحدة وهناك باقات اكبر ويستخدم بها بعض الزهور الغالية فتكون كلفة الباقة اعلى» وفي حال طلب الزبون ان تكون الباقة من الزهور الطبيعية فاوضح «في حال عدم وجود زهور طبيعية لدينا وهي في الغالب الا عند الطلب عليها فنلجأ الى محل (زهور بغداد) في ساحة كهرمانة لتجهيزنا بالزهور الطبيعية، وذلك لتوفر الزهور لديه بسبب كثرة الطلب من قبل المؤسسات الحكومية والشركات الاجنبية فضلاً عن مكانه الحيوي فيعد لنا المنقذ في حالات الطلبات المستعجلة» ويستدرك متحسراً «كنا سابقاً غارقين في الطلبات ولا نستطيع ان نجد فراغاً من كثرة العملاء سيما وان هناك العديد من المؤسسات الاجنبية والسفارات الموجودة في البلاد تعتمد على محالنا اما الان فانه لا يدخل الينا في اليوم الواحد سوى زبون او زبونين».