المايسترو الراقص دوداميل.. موهوب بشكل مدهش

حديقة الموسيقى في روما مذهولة بنجم الموسيقى الكلاسيكية القادم من مجاهل فنزويلا

غوستافو دوداميل (ا.ب)
TT

قالوا إن حفلة الموسم في روما سيقدمها غوستافو دوداميل القادم من فنزويلا، ويقود الاوركسترا لعزف سمفونية الموسيقار النمساوي غوستاف ماهلر. وتساءلنا: ما علاقة فنزويلا الرئيس هوغو شافيز بالموسيقى الكلاسيكية، وكيف لشاب قادم من مدينة فقيرة في غابات فنزويلا لا يتجاوز السابعة والعشرين أن يصبح النجم الصاعد، بل أمل الموسيقى الكلاسيكية الراقية في البقاء والاستمرار؟ الحقيقة أن الجواب جاء منذ بضع سنوات من قائد الاوركسترا الايطالي الشهير كلاوديو آبادو (من أصل عربي في الاندلس من عائلة ابن عباد)، الذي اكتشف موهبة دوداميل الخارقة أثناء جولة له في اميركا اللاتينية للبحث عن المواهب الجديدة، وبعدها عينه معاوناً له في اوركسترا برلين الفلهرمونية المعروفة. قدم دوداميل أمس في حديقة الموسيقى في العاصمة الايطالية قطعة واحدة، هي السمفونية الثالثة لماهلر، أطول سمفونية في تاريخ الموسيقى (مؤلفة من ست حركات)، أثبت خلالها أنه من أبرع من قاد اوركسترا سانتا شيشيليا العريقة، وأنه يستحق المديحَ الذي حظيَّ به قبل سنتين من أهم قادة الاوركسترا في بريطانيا، السير سيمون راتل، قائد اوركسترا برلين الفلهرمونية حالياً. قال راتل للصحافيين واصفا دوداميل «لم أتعرف في حياتي إلى شاب موهوب لهذه الدرجة». ولد دوداميل عام 1981 في باركويسيميتو غرب وسط فنزويلا (التي اكتشفها كولومبوس وسماها الرحالة الايطالي امريكو فوسبوتشي أواخر القرن الخامس عشر فينيسيا الصغيرة أي فنزويلا). وكان والده يعزف البوق في اوركسترا الموسيقى اللاتينية الراقصة المسماة صلصة، ودرس عزف الكمان في صغره ثم تابع تدريبه مع خوزيه انطونيو ابرو، الذي ابتكر نظاما جديدا لتنمية المواهب الموسيقية للصغار القادمين من مجتمعات فقيرة تسودها الجريمة وتعاطي المخدرات. كما أشار على والده ارساله الى العاصمة كركاس لتلقي المزيد من التدريب بعد أن أدرك مدى مواهبه الموسيقية الدفينة. ويقول دوداميل في مقابلة خاصة: «تصوروا أن أبرو طلب مني ولم أتجاوز الخامسة عشرة أن أقود اوركسترا الشباب في فنزويلا فأصِبتُ بالخوف. لكنني وجدت نفسي بعد اسبوعين، أقود تلك الفرقة الموسيقية في جولة الى ايطاليا، وأصبح اسمها اوركسترا شباب سيمون بوليفار، محرر فنزويلا الذي انتصر على المحتلين الاسبان في القرن التاسع عشر». بعد نجاح دوداميل، طلبت منه منظمة اليونسيف الدولية اقامة حفل في نيويورك عام 2002، قدم خلاله موسيقى ماهلر. ومنذئذ بدأت انطلاقته الدولية فقاد اوركسترا استوكهولم السويدية واوركسترا راديو فرنسا واوركسترا برمنغهام، التي كان يرأسها راتل. ثم انتقل درجة اخرى الى الاعلى، فقام بقيادة اوركسترا فيينا الفهرمونية. كما قدم اوبرا البوهيميون لبوتشيني في اوبرا برلين منذ ثلاثة اشهر، وفي الوقت نفسه أصبح المدير الموسيقي لفرقة غوتنبرغ السويدية. وسينتقل دوداميل العام القادم الى لوس انجليس بالولايات المتحدة، ليصبح المدير الموسيقي والمايسترو الدائم لاوركسترا لوس انجليس الفلهرمونية، في سن الثامنة والعشرين. وحين برز في روما، كان يتراقص الى الأمام والى الوراء، وهو يقود من الذاكرة الاوركسترا التي يزيد عدد افرادها على 100 عازف، بالاضافة الى الكورس النسائي وجوقة الأطفال الذي يصل عددهم الى 100 ايضا. كانت تعابير وجه دوداميل ذي الأصل الهندي الأحمر فوق شعره المتجعد وحركات يديه المتموجة وأصابعه المرتجفة، كافية لضبط العازفين وضبط الايقاع والطبول والدفوف والصنجات والأبواق والآلات النحاسية التي يكثر ماهلر من استعمالها، وطريقته ليست اوروبية بل لاتينية مليئة بالحيوية والنشاط، وكأنه راقص يحرك يديه ورجليه حسب الايقاع بل يقفز احيانا في الهواء بجسمه الصغير، وكأن كل خلية فيه امتلأت بالانفعال والتعبير. جاء التصفيق عارما تحت وطأة حماس أبداه الجمهور له. فقد أصغى المستمعون بإرهاف لساعة وثلاثة أرباع الساعة متواصلة، وبعد النهاية البطولية للسمفونية حين بلغت الذروة انفجر التصفيق واستمر ربع ساعة بحماسة نادرة. تعرف السمفونية الثالثة لماهلر (1860–1911) بأنها تعبر عن السعادة في ليلة صيف وفيها وصف للعواطف وللأزهار وحتى للفراشات والحيوانات في الغابة، وماهلر نفسه ليس غريبا عن اوركسترا سانتا شيشيليا الايطالية فقد قادها بنفسه في روما اوائل القرن العشرين. وتمكن دوداميل من نقل الشعور بالسعادة ورقة الشعور والعظمة رغم فوضى الحياة التي يرسمها ماهلر والالحان البطيئة وتبدل المزاج والوجدان الذي يخلقه في موسيقاه مما يدل على سيطرة دوداميل الكاملة على الاوركسترا وبراعته في تصوير التناقضات اللحنية.

يقول دوداميل «أنقذت الموسيقى حياتي والفضل في ذلك لأبرو فبعض ممن درسوا في صفي انتهوا في عالم الجريمة أو المخدرات». ويردف قائلا «أحب كل أنواع الموسيقى الكلاسيكية والراقصة وأقضي وقت فراغي في رقص الصلصة مع زوجتي».