رحيل سعد أردش.. أحد رواد المسرح المصري والعربي

بعد مشوار فني جاوز نصف قرن

سعد أردش في بروفات إحدى المسرحيات وسعد أردش («الشرق الأوسط»)
TT

عندما تشاهده على خشبة المسرح أو على شاشة التليفزيون، فإن أول ما يجذبك إليه صوته الرخيم العميق الحساس، وقدرته على تجسيد الأدوار الصعبة بأداء فائق، إنه الفنان المصري سعد أردش الذي رحل عن دنيانا أول من أمس في أميركا حيث كان يتلقى العلاج من مرض سرطان العظام، وذلك قبل ثلاثة أيام من احتفاله بعيد ميلاده الرابع والثمانين.

وبوفاة أردش، يكون المسرح المصري والعربي قد فقد أحد آبائه المؤسسين، إذ أن إنتاج الفنان الراحل لم يتوقف عند الإخراج، بل شارك في تأليف وتمثيل عدد من المسرحيات، كما ترجم عددا من الأعمال المسرحية العالمية، إلى جانب كونه أستاذا ورئيس قسم التمثيل والإخراج بالمعهد العالي للفنون المسرحية، تخرجت على يديه أجيال من الفنانين المصريين على مدى أعوام طويلة.

ولد سعد عبد الرحمن قردش، وشهرته «سعد أردش»، في 16 يونيو (حزيران) 1924 في مدينة فارسكور على ساحل البحر المتوسط شمال مصر، وتلقى تعليمه فيها حتى حصل على الشهادة الثانوية، وكان ناظر المدرسة الابتدائية في فارسكور حين التحق بها هو حلمي البابلي والد الفنانة الكبيرة سهير البابلي، والذي كان من أعظم التربويين، حيث كانت تربطه علاقة ذات طابع أسري بكل تلميذ. وفي المدرسة الثانوية بفارسكور، تعرف أردش على الشاعر الصوفي الكبير طاهر أبو فاشا الذي قاد تجربة المسرح المدرسي.

وجمع أردش في دراسته الجامعية بين الفن والقانون، حيث التحق بمعهد الفنون المسرحية، إلى جانب التحاقه بحقوق عين شمس، وواصل الدراستين معاً، فحصل على بكالوريوس المعهد عام 1952، وليسانس الحقوق عام 1955، ثم حصل على دبلوم الإخراج، وفي عام 1957 تم إيفاده في بعثة إلى إيطاليا، حيث حصل على درجة الدكتوراه من الأكاديمية الدولية للمسرح في روما عام 1961.

وتنقل اردش بين عدة مناصب وظيفية ما بين أستاذ ورئيس قسم التمثيل والإخراج بالمعهد العالي للفنون المسرحية، ومن ثم مديرا لمسرح الجيب، ومديرا لمسرح الحكيم، ورئيسا لقطاع الفنون الشعبية الاستعراضية، ورئيسا للبيت الفني للمسرح.

وطوال تاريخه الفني الذي استمر لأكثر من خمسين عاما، ناقش مسرح سعد أردش قضايا سياسية اجتماعية مهمة، كما تعاون مع أبرز كتاب المسرح في فترة الستينيات، التي تعد المرحلة الذهبية للمسرح المصري، مثل نعمان عاشور، ومحمود دياب، وسعد الدين وهبة وغيرهم، بالإضافة إلى الأعمال المترجمة لكتاب أجانب، ومن أشهرها «سكة السلامة»، و«دائرة الطباشير القوقازية»، و«انتيجون»، و«عطوة أبو مطوة» وغيرها، واعتبر أردش من رواد المسرح السياسي المصري، كما كان عضوا بحزب التجمع اليساري المعارض.

وطوال رحلة عمله الفني كان الفنان الراحل سعد أردش يحلم بأن يعود المسرح لعصره الأغريقي، حيث كانت تلزم فيه الحكومات مواطنيها ليشاهدوا ما يقدم بالمسارح؛ فاهتم هؤلاء الناس بالمسرح كمؤسسة تنويرية تثقيفية تنشر الوعي الثقافي مثل المدرسة والجامعة ودور العبادة؛ فقد كان واجبا وطنيا على كل مواطن أن يشاهد المسرح، فللمسرح دور كبير في إصلاح الحالة الاجتماعية.

ولم تقتصر إبداعات أردش على الأعمال المسرحية، بل يحسب له مشاركته في أول أعمال أنتجها التلفزيون المصري في الستينيات، كما شارك في بعض الأعمال السينمائية، إلا أنه لم يجد نفسه فيها لأن السينما غير قادرة على استيعاب ممثلي المسرح بحركاتهم الارتجالية وخروجهم عن النص والالتزام بالتوقيت الزمني للجملة والحركة الواسعة التي لا تتحملها الكاميرا، فالمسرحي غريب على الكاميرا السينمائية.

وتأثر الفنان الراحل بالمسرح البريختي إلى أبعد الحدود، وان كان لا يخفي إعجابه بسوفوكليس، وتشيخوف، والحكيم، وسارتر، وبيراندللو، ونعمان عاشور، وسعد الدين وهبه، والفريد فرج، ويوسف ادريس، وغيرهم ممن أحبهم.

وباختصار يمكن القول، إن أردش استطاع قبل نصف قرن بابتكاراته المسرحية إحداث ثورة فنية عمّا كان متعارفا عليه وسائدا في الأداء المسرحي على شاكلة التمثيل بالصوت وحركة اليدين الافتعاليّة والانفعال المفتعل أو العمل الارتجالي الذي كان سائدا على خشبة المسرح مرحلة الخمسينيات من القرن العشرين، ولكنه أضاف إلى الممثل طاقة إبداعية ليصبح الأداء التلقائي الصادق والصوت الداخلي هو الأساس في الأداء، وهو ما أهله لنيل جائزة الدولة التقديرية عام 1990 تقديرا لعطائه الفني الكبير.

ومن أشهر أعمال المخرج الراحل (السبنسة) و(النار والزيتون) و(يا طالع الشجرة) و(هالو شلبي) و(كاليجولا)، و(دائرة الطباشير القوقازية)، كما شارك أردش بالتمثيل في عدة مسرحيات، منها (الأرض) المأخوذة عن رواية شهيرة لعبد الرحمن الشرقاوي .. وكانت آخر أعماله المسرحية (الشبكة) التي قدمها على المسرح القومي بالقاهرة العام الماضي 2007 .

كما شارك أردش بالتمثيل في عدة مسلسلات تلفزيونية أشهرها (المال والبنون)، إضافة الى أفلام تعد من كلاسيكيات السينما المصرية منها (قنديل أم هاشم) لكمال عطية عام 1968، و(الاختيار) ليوسف شاهين عام 1971، وكان آخر أفلامه (الحجر الداير) الذي أخرجه محمد راضي عام 1992 .

واللافت أن كل هذه الأعمال الفنية لم تقف حائلا أمام مواصلة أردش لإبداعاته في مجال التأليف والترجمات، فللمبدع الراحل عدة كتب ومؤلفات مهمة في مجال المسرح منها «المخرج في المسرح المعاصر» عام 1979 الذي يعد اليوم من أبرز المراجع الدقيقة عن التطور في الإخراج المسرحي في أوروبا، و«المسرح الايطالي» 1965.