فيلم «الخاسرون» يعيد إلى الواجهة مأساة المقاتلين المغاربة في الحرب الأهلية الإسبانية

ربحوا المعارك وخسروا حياتهم ويتلقون 6 يوروات شهريا.. والاشتراكيون الإسبان يعتبرونهم أعداءهم

مقاتلون مغاربة في الحرب الأهلية الإسبانية
TT

عادت قضية المقاتلين المغاربة الذين حاربوا في الحرب الأهلية الإسبانية إلى الواجهة مجددا بعد ظهور شريط وثائقي يؤرخ لمأساة من سماهم «أكبر الخاسرين» في تلك الحرب.

وعلى الرغم من مرور أزيد من 70 عاما على تلك الحرب الشرسة التي مزقت إسبانيا وذهبت بأرواح عشرات الآلاف من الجنود والمدنيين، إلا أنها عادة ما تسلط عليها الأضواء بين الفينة والأخرى عندما تظهر معطيات جديدة يبدو أن المؤرخين أهملوها إما عن قصد أو بسبب رغبة في إخفاء فظاعاتها لمصالح سياسية أو إيديولوجية معينة.

واستطاع المخرج الإسباني من أصل مغربي، إدريس ديباك، المقيم في مدينة مليلية، التي تحتلها إسبانيا شمال المغرب، إعادة هذه القضية إلى دائرة الجدل بعد أن أنتج فيلم «الخاسرون»، الذي يؤرخ لمآسي ومعاناة أزيد من 150 ألف مقاتل مغربي، أغلبهم من شمال البلاد، استعملوا كحطب وقود خلال الحرب الأهلية الإسبانية بين أنصار الجمهورية اليسارية، وبين من يسمون الوطنيين، الذين كان يتزعمهم كبار قادة الجيش، وعلى رأسهم الجنرال فرانسيسكو فرانكو.

وقال ديباك، إن فيلمه «الخاسرون»، لا يهدف إلى إثارة الجدل من جديد حول هذه الحرب، كما لا يهدف إلى أي ربح مادي، بل يريد فقط أن يعيد هذه القضية إلى الأضواء وتبيان أحزان ومآسي عشرات الآلاف من المقاتلين المغاربة الذين سيقوا إلى هذه الحرب قسرا في وقت كانت منطقة شمال المغرب تخضع للحماية الإسبانية.

وكانت الحرب الأهلية الإسبانية قد نشبت سنة 1936 عندما تمرد مجموعة من العسكريين الإسبان، وبينهم ضباط كبار وجنرالات، على الجمهورية الاشتراكية الإسبانية التي فازت بالانتخابات واضطر بعدها الملك ألفونسو إلى مغادرة البلاد واختيار بريطانيا منفى له.

وفي الوقت الذي كان وقتها مراقبون دوليون يقولون إن أنصار الجمهورية سيقمعون التمرد بسهولة، إلا أن العسكر المتمردين استطاعوا تجنيد حوالي 150 ألف مقاتل مغربي، أغلبهم من شمال المغرب، وخصوصا من مناطق جبالة والريف، والذين تمرسوا في القتال ضد الإسبان في معارك سابقة مثل معركة أنوال سنة 1921، والتي تكبد فيها الجيش الإسباني في شمال المغرب خسائر فادحة.

ويقول ديباك إن فيلمه «الخاسرون» سيركز لأول مرة على تجنيد آلاف الأطفال المغاربة في هذه الحرب، خصوصا وأنه تم وضعهم في الجبهات الأكثر اشتعالا. وقال ديباك، خلال تقديم في فيلمه أخيرا في العاصمة الإسبانية مدريد: «هؤلاء الأطفال المغاربة قاتلوا مثل رامبو، وفي النهاية تم التخلي عنهم كما لو أنهم مهملات». واعتبر أن الحيف الذي تعرض له المقاتلون المغاربة يعود بالأساس إلى كونهم مسلمين، وأنهم لو كانوا من ديانة أخرى لتم التعامل معهم بشكل مختلف تماما، مشيرا إلى الذين حاربوا في الحرب الأهلية من جنسيات وديانات أخرى، والذين تم تعويضهم ماديا ومنحوا الجنسية الإسبانية.

وتطالب حاليا أصوات مقربة من اليمين الإسباني، بإعادة الاعتبار لهؤلاء المقاتلين الذين كان لهم الفضل الأكبر في وصول الجنرال فرانكو إلى الحكم، والذي حكم البلاد بعد ذلك حوالي 40 عاما، أي من 1939 حتى موته سنة 1975.

وفي مدينة مليلية، قال خوان خوسي إمبرودا، النائب في البرلمان الإسباني عن الحزب الشعبي، إنه سيتم تقديم ملتمس إلى الحكومة الاشتراكية الإسبانية من أجل مراجعة طبيعة التعويضات التي يتم حاليا منحها إلى هؤلاء المقاتلين القدامى.

واعتبر إمبرودا أن التعويضات التي يتم منحها حاليا لهؤلاء تعبر عن «وضعية ظلم تاريخي»، مشيرا إلى أن عددا كبيرا من المقاتلين ظلوا على مدى عقود من الزمن يتلقون تعويضا لا يزيد على 6 يوروات كل شهر، وهو مبلغ لا يكفي في المغرب لشراء كيس دقيق.

غير أن مطالب رفع تعويضات هؤلاء المقاتلين تصبح عبثية لأن بضعة عشرات منهم فقط هم الذين يوجدون حاليا على قيد الحياة، بينما مات عشرات الآلاف منهم خلال العقود الماضية في جو من النسيان والشعور بالغبن.

وأغلب المقاتلين الأحياء حاليا تجاوزوا الثمانين من العمر، وهو ما يعني أنهم شاركوا في تلك الحرب عندما كانوا أطفالا، وهو ما يؤكد النظرية التي تقول إن الآلاف من الأطفال المغاربة تم تجنيدهم في تلك الحرب خارج كل الأعراف والقوانين الدولية.

وتوجد مفارقة أخرى في وضعية هؤلاء المقاتلين، وهو أنهم تعرضوا للتهميش من طرف اليمينيين والاشتراكيين على السواء. وعلى الرغم من أن وصول اليمين الإسباني إلى القوة التي هو عليها اليوم تم بفضلهم، إلا أن قادة اليمين الإسباني تحولوا مع مرور الوقت إلى عنصريين ومعادين للمهاجرين، بينما الاشتراكيون يعتبرون هؤلاء المقاتلين أعداءهم لأنهم حاربوا إلى جانب اليمينيين.

وكان الكثير من أبناء وحفدة هؤلاء المقاتلين، اشتكوا باستمرار من المعاملات المهينة وغير اللائقة التي يعاملون بها في المصالح الدبلوماسية والقنصلية الإسبانية في المغرب، حين يحاولون الحصول على تأشيرة من أجل الهجرة إلى إسبانيا، سواء من أجل العمل، أو من أجل السياحة.

يضاف إلى ذلك أن رئيس الحكومة الإسبانية الحالي، خوسي لويس رودريغيث ثاباتيرو، يعتبر من الضحايا غير المباشرين لهذه الحرب، حيث قتل جده فيها، وهو ما يجعله غير متعاطف بالمرة مع المقاتلين المغاربة.

إن الحرب الأهلية الإسبانية، بقدر ما كانت انتصارا واضحا لليمين الإسباني والمقاتلين معهم، إلا أنها تحولت إلى لعنة حقيقية على المقاتلين المغاربة الذين أصبحوا أعداء للجميع، لليساريين الذين قاتلوا ضدهم، ولليمينيين الذين نبذوهم كأنهم أوراق «كلينكس» تستعمل وترمى للمرة الواحدة، وهي المرة الوحيدة في تاريخ الحروب التي يتحول فيها المنتصرون في الجبهة الى خاسرين أساسيين.