أم كلثوم في باريس بعد 40 عاماً على عثرة «الأولمبيا»

مصورها فاروق إبراهيم فاجأها مرتين وهي تبكي وصور نعشها وهو خال

في احدى حفلاتها ويرافقها عازف العود محمد القصبجي
TT

بعد أربعين عاماً على غنائها في صالة «الأُولمبيا» في باريس، تعود أُم كلثوم (1898 أو 1904 ـ 1975) الى العاصمة الفرنسية، من خلال معرض كبير جرى افتتاحه، هذا الأُسبوع، في معهد العالم العربي. ويستعيد المعرض من خلال عشرات المقتنيات والصور، ذكرى المطربة التي حملت لقب كوكب الشرق. ويستمر حتى مطلع نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، متيحاً للمصطافين العرب زيارة «الست» التي كبروا على صوتها ينطلق من إذاعاتهم كافة.

يوم وقفت المطربة المصرية تغني في «الأُولمبيا» عام 1967، هجم عليها معجب فتعثرت وسقطت على المسرح. كانت تقوم بأول رحلة لها خارج بلادها بعد نكسة يونيو/حزيران. ولم تكن رحلة فنية عادية بل «مهمة وطنية» لجمع التبرعات للمجهود الحربي. ولم يكن عرب فرنسا وحدهم من ذهب للاستماع اليها. كان هناك جمهور جاء من بلدان أُوروبا المجاورة، ومن المغرب العربي لكي يرى رؤية العين، السيدة التي خرجت من «طماي الزهايرة» لكي تصبح أشهر مصرية في التاريخ، بعد نفرتيتي وكليوباترا.

على ملصقات المعرض المكرس لها في معهد العالم العربي، نقرأ وصف «الهرم الرابع». لكن هذه الصفة تكررت من قبل بحيث فقدت بريقها. لقد أُطلقت، من قبل، على عبد الناصر وعلى عبد الوهاب، وعلى نجيب محفوظ. ولم يعد المتلقي يعرف كم هرماً رابعاً يوجد في أرض الكنانة. لكن الأكيد أن هناك مطربة تدعى أُم كلثوم الأُولى ولم تأت بعدها، حتى يومنا هذا، مطربة تستحق أن توصف بأنها «أُم كلثوم الثانية»، رغم أن كثيرات حاولن نيل اللقب طوال السنوات الثلاثين والنيف التي مضت على أُفول الكوكب.

«طوف وشوف»، هكذا غنت أُم كلثوم في حفلة أُقيمت في نادي الضباط في القاهرة عام 1963. ومن يطوف معرضها الحالي يجد نفسه يتنقل بين أربعة موضوعات هي بمثابة الأوجه الأربعة لشخصية المرأة التي كانت سيدة الغناء العربي: «المصرية»، «الموهبة»، «الالتزام»، و«الإرث». ولعل هذا القسم الأخير هو الأكثر جاذبية، لأن تركة أُم كلثوم ما زالت ممتدة في الزمن: شهادات قيلت في حقها، تسجيلات لأجمل ما أنشدت، مقاطع من أفلامها وحفلاتها، لوحات رسمها لها أشهر فناني عصرها، وصور من أبرز محطات حياتها.

أغلب هذه الصور كانت بعدسة مصورها الخاص فاروق ابراهيم. وهو صاحب الصورة التي نشرت في صحيفة مصرية، وكانت سبباً في زعل «ثومة» منه. كان ذلك وهي تغني في «الأُولمبيا»، عندما تقدم من المسرح معجب وهجم على قدميها لتقبيلهما، كما أسلفنا. واختل توازن أُم كلثوم على المسرح وتدخل رجال الأمن بسرعة، وسحبوا الرجل فسحبها معه، وسقطت على الأرض. وسجل فاروق ابراهيم اللقطة وأرسل الفيلم في الليلة نفسها الى «أخبار اليوم».

يقول المصور في حديث أجريناه معه: «لما رأت أُم كلثوم الصورة منشورة في الجريدة، ثارت وتصورت أن الذي التقطها مصور يهودي من الأعداء، واتصلت بي تعاتبني كيف تركت الأجانب يصورونها في ذلك الوضع. وطيبت خاطرها بالقول إننا كنا مشغولين بها وبسلامتها وسهونا عما عداها. لكنني اعترفت لها، بعد أيام، بأنني صاحب الصورة وأن مهنتي غلبتني. فغضبت مني».

حين توفيت كوكب الشرق، ذهب مصورها لتصوير الجنازة مع مئات المصورين المصريين والعرب. لكنه كان من بين القلة الذين يعرفون أن النعش الظاهر في الصور، كان خالياً من جثمانها. لقد جرى دفنها مسبقاً خشية أن تتخاطف الحشود الباكية الصندوق. ولما أنهى واجبه وسلم الصور الى الصحيفة، التي يعمل معها، عاد الى بيته وجلس يبكيها وهو يتذكر أنه صورها مرتين وهي تبكي، الأُولى أثناء حفل لمنظمة التحرير في القاهرة، عندما وقف خطيب يصف معاناة الأطفال الفلسطينيين اللاجئين، والثانية عندما كانوا في موسكو وجاءها خبر رحيل الرئيس عبد الناصر. كما صورها ودمعة في عينيها، أثناء نقلها الى مستشفى المعادي، قبل ستة أيام من وفاتها.

لا بد من الإشارة، أخيراً، الى أن للأطفال حصة في معرض أُم كلثوم، وينظم معهد العالم العربي للزوار الصغار دورات للتعرف على آلات التخت الشرقي، الذي كان يصاحبها في الغناء، مع تعليمهم واحدة من أغانيها الخفيفة: «غنيلي شوي شوي».