قصور وسجاد وشوارع عتيقة من الشرق.. تغزو المشهد الفني في لندن

من خلال مزادات ومعارض الفنون الإستشراقية

لوحة الفنان رودولف ارنست «في الشرفة بطنجة» من مزاد كريستيز
TT

وكأن أجواء لندن اصبحت عربية الطابع فجأة، إذ اجتمعت في العاصمة البريطانية مجموعة من المعارض والمناسبات التي تحتفي بالفنانين الاستشراقيين، الذين فتنوا بالشرق وترجموا افتتانهم الى لوحات بديعة الالوان والتفاصيل. تلك اللوحات بهرت الجمهور الاوروبي في القرن التاسع عشر بحكم كونها نافذة على حضارة مختلفة حية زاخرة بالألوان والحركة، ولم ينته سحر تلك الاعمال بانتهاء عصرها، بل استمرت تفتن محبي الفن من أوروبا وخارجها أيضا.

وفي موجة الاعمال الشرقية والاستشراقية بدأ متحف تيت الشهير الموسم بمعرض «جاذبية الشرق ـ نظرة على المستشرقين البريطانيين»، الذي يضم لوحات رسمت في الفترة ما بين 1780 الى 1930، المعرض يقدم 120 لوحة لمجموعة من الاسماء الراسخة في الفن الاستشراقي، أمثال اللورد ليتون وادوار لير الى جانب لوحات للفنان الشهير ديفيد روبرتس تصور لقطات من رحلاته لمصر وفلسطين.

وعلى الجانب الآخر يقدم متحف غاليري بلندن ايضا مجموعة من اللوحات الاستشراقية للبيع، وان كانت اللوحات المعروضة هنا تضم أعمالا لفنانين من القرن التاسع عشر، الى جانب أعمال لفنانين معاصرين ممن فتنوا بالصحراء والاجواء العربية، مثل الفنان البريطاني بيتر أبتون، الذي تدور معظم لوحاته حول الحصان العربي. ويلاحظ كولين غليديل من صحيفة «التلغراف» ان اللوحات المقدمة اعتمدت في وقتها على تقديم جو شرقي لجمهور غربي لا يعرف الكثير عن الشرق، واعتمدت تلك اللوحات الاسلوب الكلاسيكي متخذة من الاسواق والمساجد والشوارع مسرحا لها. وبالنسبة للجمهور الغربي خلال القرن التاسع عشر كانت تلك المشاهد ساحرة الى حد كبير، وهو ما أثمر عن إقبال على اقتناء تلك الاعمال ورفع اسعارها بشكل واضح. ومع ازدياد الانتاج في تلك النوعية قل الاقبال، خصوصا مع ظهور الحركات الفنية المعاصرة في القرن العشرين.

وبدءا من سبعينات القرن الماضي ظهر جمهور جديد للأعمال الاستشراقية، وخاصة في منطقة الخليج العربي، التي عاشت حالة من الانتعاش المالي مع الطفرة في انتاج البترول، وهكذا تحول اهتمام تجار اللوحات ودور المزادات الى تلك السوق الوليدة، التي تبشر بإعادة الحياة لسوق الفن الاستشراقي. ومما زاد من أهمية تلك السوق هو تأثر الجمهور الغربي بأحداث سبتمبر (ايلول) 2001، وتراجع الاهتمام بالأعمال الاستشراقية، ويلاحظ غليديل ان ذلك الانحسار لم يستمر، اذ عاد الانتعاش للسوق مرة أخرى، خاصة بعد بيع لوحة للمستشرق جون فريدريك لويس بمبلغ 2.5 مليون جنيه استرليني.

ويلاحظ مسؤولو المبيعات ودور المزادات الكبرى الاهتمام الذي يصاحب المزادات الخاصة بالفن العربي والشرقي بشكل خاص في منطقة الخليج العربي بالذات، وظهور جامعين للاعمال الفنية في الخليج وايضا انشاء متاحف جديدة تهتم بإضافة اكبر عدد من الاعمال الفنية الشرقية الطابع لمجموعاتها، منها على سبيل المثال متحف قطر الذي يضم في مجموعته 500 لوحة استشراقية.

وبالنسبة لدار كريستيز للمزادات، فالاهتمام في قسم الاعمال الاستشراقية اصبح يتجه الى تسويق الاعمال الاستشراقية الى جانب الاعمال العربية والايرانية التي تلاقي اهتماما واضحا بمنطقة الخليج العربي. ويشير اتيان هيلمان مدير قسم الفن الاستشراقي في حديث لـ«الشرق الاوسط»، الى ان الدار مزجت بين اللونين في مزادها الاخير في باريس، الذي قدم الاعمال العربية والايرانية الى جانب الاعمال الاستشراقية. يقول هيلمان ان مزادات الدار للفن الاستشراقي تعتمد على تسويق وعرض الاعمال العربية المعاصرة لفنانين اصحاب باع فني وثقل كبير، أمثال صلاح طاهر وحسين ماضي الى جانب تلك التي رسمها اوروبيون في القرن التاسع عشر.

تقدم كريستيز خلال مزادها المقبل للاعمال الاستشراقية اعمالا لفنانين ارتبطت اسماؤهم مع مناظر من الشرق العربي الذي تجولوا فيه باحثين عن الالهام، فهناك أعمال للفنان المعروف يوجين ديلاكروا الى جان لوي جيروم وجون سنجر سارجينت. وخلال التجول بين اللوحات التي تعرضها كريستيز للجمهور قبل المزاد الذي يقام في 2 يوليو (تموز) القادم، لا يمكن للزائر الا الانجذاب لعالم الشرق عبر العيون الاوروبية. لا يستطيع المرء الا التعجب من القدرة على محاكاة ادق التفاصيل في جدران المساجد والقصور وحتى نقش الآيات القرآنية بكل جلالها وجمال الخط العربي. اللوحات تكاد تجتمع في تقديم مهارات الفنانين في تصوير النقوش الدقيقة، ويلاحظ الاهتمام والانجذاب للسجاد الشرقي، الذي يوجد تقريبا في كل اللوحات، فهو اما ملقى على الارائك او مفروشا على الارض او هو محل تفاوض بين تاجر سجاد و أحد المشترين وفي هذا المجال تبرز لوحة الفنان النمساوي رودولف سوبودا، التي تحمل عنوان «رفاء السجاد»، والتي تعتبر من أجمل لوحات الفنان تعرض في مزاد ويتوقع لها سعر يتراوح ما بين 200 الف جنيه الى 300 الف جنيه استرليني. وتفاجئ زائر معرض كريستيز لوحة تتوسط صالة العرض تجذب العين ويكاد المرء يجد صعوبة في التحرك من امامها لجمال تفاصيلها، اللوحة هي للفنان الالماني غوستف بورنفيند، التي تحمل عنوان «بوابة المسجد الاموي في دمشق»، اللوحة يقدر لها سعر يتراوح ما بين مليون ونصف المليون جنيه استرليني الى ثلاثة ملايين جنيه، وهي من مجموعة خاصة لمالك لوحات من الشرق الاوسط تعرض للبيع بكاملها في المزاد. ويشير هيلمان الى اللوحة ملاحظا انها تصور جزءا من المسجد تم ترميمه حديثا ويلفت النظر الى اهمية اللوحة في المزاد المقبل باعتبارها من اجمل اللوحات المعروضة.

ويشير هيلمان الى نقطة مهمة، وهي ان العديد من الفنانين الاوروبيين لم يرسموا لوحاتهم اثناء رحلاتهم في بلاد المشرق، بل اكتفوا بتسجيل الملاحظات ورسم الاسكتشات وقاموا بتنفيذ اللوحات لاحقا عند عودتهم الى بلادهم. ويضرب هيلمان المثل بلوحتين للفنان رودولف ارنست «في الشرفة بطنجة» ولوحة «تقليم الاظافر»، اللوحتان تصوران مشاهد للحريم، الملاحظ في اللوحتين استخدام نفس السيراميك المنقوش على الرغم من اختلاف المشهد فنراه يحف جدار الشرفة المطلة على البحر في مدينة طنجة وايضا نرى نفس السيراميك بنقوشاته الزرقاء في جناح الحريم في اللوحة الثانية.

وفي جميع الاحوال فان المجموعة المعروضة للبيع في مزاد كريستيز تثير خيال المشتري، سواء كان من الغرب او الشرق فهي تقدم لمحات لعالم ولى وانقضى ولم يبق منه شيء فهو للمتذوق الغربي يمثل عالما من الاحلام الشرقية الاسطورية بغموضها وبالنسبة للمتذوق العربي فهو يبعث على الحنين لماض انقضى.