معرض «بابل: الأسطورة والحقيقة».. محاولة لإنقاذ ما تبقى من آثار العراق

يقيمه متحف البيرغمون البرليني في أكتوبر

احدى زوار معرض بابل في برلين
TT

تجتذب الآثار البابلية في متحف البيرغمون البرليني، 1,3 مليون سائح سنويا إلى العاصمة الألمانية. ويبيع المتحف ملايين البوسترات والنماذج المنحوتة التي تمثل آثار العراق القديمة وتدر الملايين على برلين.

وتعتبر بوابة عشتار وشارع الموكب (ببرلين) من أشهر الآثار البابلية في العالم ويعود تاريخها إلى 3 آلاف سنة. ووضعت بلدية برلين الآثار العراقية السيراميكية الزرقاء والملونة في متحف واحد إلى جانب الآثار الإغريقية الرخامية البيضاء في مقارنة تحبس الأنفاس بين الحضارتين العظيمتين. مع ذلك ليست هذه الآثار، رغم جمالها وقيمتها، إلا جزء من الآثار العظيمة التي طمرتها العواصف الرملية في خرائب بابل، التي خربها صدام حسين ليبنيها من جديد بطابوق يحمل اسمه، أو سحقتها دبابات الأميركان في «عاصفة الصحراء» 2003.

وتعود آثار بابل برلين إلى اتفاقية أبرمتها ألمانيا القيصرية مع الحكومة العثمانية عام 1899، وعلى أثر الاكتشافات التي حققها الباحث الألماني روبرت كولدوي. وتم نقل السيراميك الملصوق على بوابة عشتار وشارع الموكب بهيئة حطام إلى برلين، حيث قام العلماء على مدى سنوات بترتيب القطع ولصقها مثل ترتيب قطع الـPuzzle.

وفي محاولة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، ولتذكير العالم بآلاف القطع الأثرية التي نهبت من متاحف بغداد، يقيم متحف البيرغمون معرضا للآثار البابلية بين في اكتوبر المقبل. وعلاوة على موجودات التحف البرليني فسيتسع المجال لزوار المعرض لمشاهدة 6000 قطعة أثرية، سيجري نقلها من متحف اللوفر الباريسي والمتحف البريطاني.

وذكر بيتر كلاوس شوستر المدير العام للمتاحف البرلينية، أنه يأمل أن يجتذب المعرض الموسع حول بابل، نحو 300 ألف إنسان إضافي خلال أربعة أشهر. ووصف شوستر تعلق الرواد بآثار بابل، بأنه أشبه بـ«العبودية البابلية» وسحر بابل. وسيقوم وزير الخارجية الألمانية فرانك فالتر شتاينماير بافتتاح المعرض بحضور عدد من الوزراء والسفراء.

وتقول البروفيسورة مرغريتا فون أيس عميدة قسم الشرق الأوسط في جامعة برلين، إن من يشاهد خرائب بابل الأثرية بواسطة «غوغل ايرث» اليوم، ويقارنها بصور ما قبل الاحتلال الأميركي للعراق سيلاحظ الآثار «الجديدة» التي تركها الأميركان على حضارة العراق. ففي بابل القديمة، 90 كم جنوب بغداد، ستظهر صور «غوغل» معسكرا للجنود تحيطه الأسوار، الكثير من الدبابات والسيارات، الشاحنات ونحو 12 طائرة هيليكوبتر.

والحديث هنا هو عن معسكر «كامب الفا» الذي أقامه الأميركان في بابل القديمة في ابريل 2003. وتقول صحيفة «دي فيلت» الألمانية المعروفة إن جرافات شركة «كيلوغ، براون أند رووت»، وهي واحدة من فروع شركة هاليبرتون التي يترأسها نائب الرئيس الأميركي ديك تشيني، سوّت تلا كان قائما هنا، ويعتقد أنه يضم مقابر وآثار بابلية مهمة، مع الأرض تمهيدا لإقامة المعسكر. وهنا ملأت الشركة المذكورة آلاف أكياس النفايات الكبيرة بالتراب والآثار ونقلتها إلى مكان مجهول.

وإلى جانب سرب الطائرات يشاهد المرء، من بين عدة بنايات صغيرة، قصرا أقامه صدام حسين على تل اصطناعي أقيم على القبور المليئة بالآثار والتي أخلتها الجرافات تنفيذا لمشروع «إحياء بابل» الذي نفذه الدكتاتور. ويبدو أن صدام حسين، بجهله الثقافي الكبير، قد مهد لجعل المنطقة معسكرا، لأنه بنى فيها مجمعا مريحا له ولحرسه وضيوفه، ووجد فيها الاميركان ضالتهم العسكرية. لم ينته العمل في مشروع بناء «قصر نبوخذ نصر الثاني» إلا مطلع عام 2003، أي قبل وصول الدبابات الأميركية بأشهر، ويضم 600 غرفة. كما سوّت جرافات صدام حسين مساحة شاسعة من خرائب بابل مع الأرض، بغية إعادة بناء برج بابل.

وجعل صدام حسين البنائين يكتبون اسمه على 60 مليون طابوقة استخدمت في إعادة بناء بابل المزعومة. وشيد المهندسون ثلاثة تلال قطر كل منها 300 متر وارتفاعه 30 مترا، شيد على أحدها قصره، وبقي سر التلين الآخرين مغلقا. يقول البعض إنه أمر بهما قصرين لولديه عدي وقصي، ويقول البعض إنه أراد أن يمد من خلالهما قطارا معلقا إلى قصره.

وعلى أية حال فإن علماء برلين أرادوا للمعرض أن يذكر العالم أيضا بضرورة العمل على استعادة آثار العراق المنهوبة من متحف بغداد في الأيام الأولى من احتلال بغداد عام 2003. وقدر داني جورج مدير متحف بغداد، عدد القطع التي سرقت من المتحف العراقي بنحو 14 ألف قطعة. وأعيدت حتى الآن أربعة آلاف قطعة، بجهود متنوعة قامت بها الشرطة والمواطنون العراقيون. وأشار جورج إلى توفر معلومات تشي بوجود ألف قطعة مسروقة في الولايات المتحدة، و600 إلى 700 قطعة في الأردن، و500 قطعة في فرنسا، ونحو 250 قطعة في سويسرا.

إلا أن ما يشجع أيضا هو عدد الآثار العراقية التي ما زالت مطمورة تحت الأرض، والتي يعتقد أنها لا تقل ثمنا وأهمية عن احتياطي النفط غير المكتشف بعد. إذ أوقفت الحفريات في بابل منذ عام 2002 وتقول البروفيسورة فون أيسن إن ما تم كشفه من آثار بابل حتى الآن لا يعدو قطرة ماء على صفيح ساخن»، وأمامنا 500 سنة من العمل كي نفي بأهداف البحث في بابل».