تحول الدكتور غازي القصيبي وزير العمل السعودي الى نادل لتقديم الطلبات لرواد احد المطاعم في جدة مساء اول من امس، مرتديا الزي الخاص بمطعم فدركرز، في خطوة اولى لمحاربة النظرة الاجتماعية تجاه بعض المهن وتشجيعا للشباب لارتياد العمل في قطاع الضيافة، وجال الوزير بين الجلسات المتناثرة بين الصالات مقدما صورة عكسية خدم فيها الوزير عددا من الشباب السعودي الذين تخرجوا في مهنة الضيافة من مركز يوسف ناغي للتدريب في جدة.
«الشرق الأوسط» توقفت عند طاولة لشباب من الخريجين بعدما قدم اليهم «الوزير النادل» طلباتهم وكأنهم ينتظرون شيئا ليبدأوا في التهام الطعام، فقالوا بصوت واحد «نعم قدم لنا الطعام لكنه نسي البيبسي».
وارتجل وزير العمل في «يوم الضيافة السعودي الاول» الذي نظمته لجنة الضيافة التابعة لغرفة جدة كلمة أعلى فيها من قيم العمل الشريف في جميع المهن، وخاطب جمعا من الشباب اكتظت بهم ردهات المطعم وبحضور عدد من الوزراء والمسؤولين الذين اشار الوزير الى ان بعضهم عمل نادلا او بائعا للخضرة ثم بعصاميتهم ارتقوا سلم النجاح، مبينا ان معظم اسماء نجوم المال والاقتصاد في المملكة بدأوا عصاميين وتحكي قصص حياتهم مشاوير كفاحهم.
وأعرب الدكتور القصيبي الذي اعتمد يوم الضيافة مناسبة يحتفل بها سنويا، عن اعتزازه بارتداء زي النادل وقال «انه رداء لا يستحقه الا من سعى لدراسته، وأنا اعتبره نوعا من الدكتوراه الفخرية»، واستغرب ممن يتحدثون عن الاعمال المهنية بإهانة مبينا ان هؤلاء لا يفهمون روح القرآن الذي بين ان معظم الانبياء عملوا بأياديهم لكسب عيشهم، وقال «يجب ان نفرق، فهناك عمل شريف وآخر غير شريف، وفي المملكة بدأت الاسر التجارية الكبيرة عصامية والجميع يعرف تاريخهم، لهذا يجب ان نكف عن تقاليد الجاهلية البالية، فهذه المهن من اشرف المهن التي يجب ان يعيننا الاعلام في تخطي تلك النظرة، ولا توجد دولة ناهضة في العالم الا بعمل ابنائها في كل المجالات».
وأطلق القصيبي ـ المضيف الفخري ـ جوا من المرح عندما تحدث عن المسؤولين الذين تواجدوا في المناسبة قائلا «ان ما يجمع بينهم انهم جميعا عملوا في المطاعم، فالاخ عبد الرحمن السدحان أمين مجلس الوزراء عمل نادلا في مطعم في كاليفورنيا بالولايات المتحدة الاميركية عندما كان طالبا هناك وشهدت ذلك بنفسي عندما سكب القهوة لي عدة مرات، اما الدكتور علي فقد اخبرني انه لم يتعد مرحلة النادل الصغير وكان يحلم بوظيفة نادل لكن الله ما اراد وتم تعيينه وزيرا، وعلمنا أخيرا انه كان يبيع الخضر وليس الخبز، لأنه لو كان يبيع الخبز لأكل نصفه، وكان يجني مصاريفه من العمل بائعا لثلاث ساعات». وأضاف «انا لا اريد ان اتحدث كداعية، رغم انه يشرفني ذلك، لكن القرآن الكريم مليء بقصص الانبياء وأعمالهم المهنية وقد امرهم الله تعالى بان يعملوا بأيديهم، وهناك قصص نوح وداوود، فالذي يقول ان هناك مهنا دونية فهو لا يفقه روح القرآن الكريم، فالمهن اليدوية من اشرف المهن، وابشر من يقومون بهذا العمل بأن امامهم مستقبلا كبيرا، وبدون استثناء فجميع الاسر السعودية التجارية الكبيرة بدأت عصامية ومن الصفر، ومن الشرف ان يعمل الشاب بعرق جبينه، وارجو ان نعي دورنا في دفع هذه القوى الشابة نحو العمل اليدوي».
وتحدث وزير العمل عن غير السعوديين من العاملين في المملكة بقوله «ان احتفالنا بالشباب السعودي لا يعني الانتقاص من دور الاخوة من غير السعوديين الذين يعملون معنا قيد شعرة، فقد تركوا اسرهم وبلادهم واتوا الى هنا ليشاركونا عملية البناء فأرجو ان تشعروا نحوهم بشعور الاخوة وان نتعلم منهم، وعندما نتحدث عن السعودة انما نريد ايجاد فرصة لأبنائنا، ووجودهم ايضا يعتبر فرصة لنبدأ حوارا حقيقيا مع هؤلاء الذين يجمعنا بهم شرف العمل». من ناحيته شدد الدكتور خالد الحارثي رئيس لجنة الضيافة بغرفة جدة على ضرورة تغيير الصورة النمطية عن بعض المهن لتدشين مرحلة البناء والعطاء وخلق جيل يؤمن بقيمة العمل، مشيرا الى ان دعوة القطاع الخاص لمثل هذا العمل تمثل رغبة اكيدة في ترقية البلاد، وقال «سيبقى يوم الضيافة السعودي جدارا عاليا نعلو به فوق النظرة الاجتماعية المغلوطة لعمل الضيافة».
ونالت كلمة الخريجين التي القاها نيابة عنهم ابراهيم الزهراني النصيب الاوفر من الاعجاب والتصفيق، وابتدأها بأنهم لم يأتوا للحديث بقدر ما جاؤوا لتقديم الطلبات للزبائن، فبادره الوزير القصيبي بقوله «هات واحد خطاب لو سمحت». وأعرب الزهراني عن املهم في ان يدعو لهم المجتمع بالتوفيق في مهنتهم التي اتقنوها بعد دراسة تامة، بل انهم سافروا الى الاردن لتدريب رصفائهم هناك.
طلال بادكوك رئيس مجلس ادارة مجموعة بادكوك، أطلق خلال المناسبة فكرة استثمارية لخدمة قطاع الضيافة في المملكة بانشاء شركة مطاعم سعودية تعمل في عدة مجالات ومفتوحة لمن يرغب في الاشتراك في رأسمالها من السعوديين بغرض توسيع قاعدة الامتيازات التجارية وتمليك الشباب لمشاريع خاصة بهم حفاظا لاستقرارهم في القطاع.