«حالة».. فرقة مسرحية تتبنى أسلوب الحواة وتقدم عروضها في الشارع

يتلقى ممثلوها السباب فيحولونه إلى جزء من العرض

حشد من الجماهير متجمع حول الفرقة («الشرق الاوسط»)
TT

من حين لآخر يمكن لرواد منطقة وسط البلد في القاهرة أن يجدوا حشدا من الجماهير متجمعا في ميدان عبد المنعم رياض أو شارع شامبليون، على الفور يقفز لذهنك حلقات الحواة الشعبيين (السحرة)، الذين اعتادوا ممارسة ألعابهم في تلك المناطق نظير جنيهات معدودة، يجمعها أبناؤهم من المارة ثمنا لفضولهم.

الحواة الجدد لا يبحثون عن جنيهات بالطبع، بل نزلوا للشارع لانتزاع حقهم في عرض إبداعهم المسرحي بعد أن خفت صوت المسرح في مصر بفعل عوامل عديدة أبرزها سطوة المسرح التجاري وغياب الوعي.

عند الاقتراب من مركز الحشد ترى مجموعة من الشباب يقدمون عرضا مسرحيا في الشارع للمارة العابرين وهي الشريحة التي يراهن عليها هؤلاء بعد أن انصرف الجمهور عن المسرح.

«حالة» هو الاسم الذي اختاره هؤلاء الشباب إلى فرقتهم، التي يحلمون أن تصعد من الشارع إلى فضاء العالمية وتعيد أمجاد فرق مصرية أخرى كفرقة رضا وفرقتي الشرقية والبحيرة للفنون الشعبية برغم بعدها عن المسرح.

مغامرة «حالة» قد تحظى بالنجاح أو تبوء بالفشل، إلا أنها في كل الحالات ستبقى تجربة فريدة في نوعها تستحق الاهتمام والاحترام.

الفرقة التي أسسها المخرج المسرحي الشاب محمد عبد الفتاح الشهير بـ«كالابالا» تتكون من خمسة عشر شابا وفتاة تتراوح أعمارهم بين 18 و25 عاما في مراحل التعليم المختلفة، يدربهم «كالابالا» على التمثيل بنفسه ومعه أحمد مصطفى، والجميع يشترك في ورشة عمل لكتابة النص وصياغة التفاصيل الصغيرة في كل عرض ينوون تقديمه.

بداية هذه الفكرة نشأت في مدينة الإسكندرية أثناء دراسة عبد الفتاح للمسرح في جامعتها وتقديمه عرضا مسرحيا على شاطئ البحر حمل عنوان «نحلم» عام 2000 مع مجموعة من أصدقائه، وحظي ذلك العرض بنجاح كبير، وعندما عاد إلى القاهرة شكل فرقة «حالة» من مجموعة من الشباب كانوا من جيرانه في السكن أو أصدقائه، وقدمت «حالة» أول عروضها تحت عنوان «سلام مربى» في ميدان التحرير بالقاهرة، وتكون العرض عن مجموعة «اسكتشات» غنائية خفيفة تضمنت نقدا لاذعا للظواهر الغنائية الجديدة بالإضافة إلى مناقشة العديد من القضايا الاجتماعية الجادة كتربية الأبناء والتعليم في شكل كوميدي وكذلك بعض المفارقات حول مؤلف النشيد الوطني، ثم شاركت الفرقة بالعرض السابق في مهرجان المسرح المستقل بالهناجر، إلا أن أعضاء الفرقة رفضوا أن يقدموا عرضهم في المسرح وآثروا أن يقدموه في ساحة الأوبرا وتحديدا الحديقة الموجودة أمام الهناجر، وفوجئوا وقتها بأن جمهور المسرح ترك العرض الأساسي الذي يعرض في الداخل وخرجوا ليشاهدوهم في الحديقة وكان من ضمن الحضور نقاد كبار مثل نهاد صليحة وأساتذة معهد الفنون المسرحية الذين أبدوا إعجابهم بالعرض.

محمد عبد الفتاح، مؤسس ومخرج الفرقة، يرى في تجربته الحل الوحيد ليقوم المسرح بدوره في المجتمع «فالمسارح أصبحت فارغة لا يرتادها سوى النخبة وهناك إحساس مسيطر على البسطاء بأن المسرح وسيلة رفاهية وليس فنا له رسالة، كما ترسخ إحساس آخر بأن المسرح يتعالى على الجمهور، فالعروض في واد، والشعب في واد آخر، لديه مشاكله وأزماته، لذلك وجدت أن أفضل حل لعودة المسرح إلى سابق مجده أن ننزل إلى الشارع ونقدم عروضنا للجمهور بالطريقة التي تلائمه، وخلال العرض نطرح ضمنيا الرسالة التي نريد توصيلها». فرقة «حالة» قدمت حتى الآن أكثر من عشرة عروض مسرحية، وأسماء العروض وحدها كافية للدلالة على محتواها: «سلام مربى» و«اوزو لذيذ» و«كستور»، و«غنا بالكفاء الشعبي» و«نار» و«قصة حديقة الحيوان» و«جاز» و«76» و«حالة» و«تهييس». وهناك عرضان يتم تحضيرهما الآن لتقديمهما في شهر أغسطس (اب) المقبل أحدهما يتضمن اسكتشات لشكوكو وإسماعيل ياسين.

الطريف أن «حالة» تتعرض أحيانا لغضب بعض أصحاب المحال التجارية في الشارع وتنال أقساطا وافرة من السباب واللوم، فيفاجأ الجميع بأن هذا اللوم والتقريظ يدخلان في النص، وأصبح اللائمون ممثلين يشاركون الأعضاء عرضهم، وهو نوع من مسرحة الجمهور جرّبه يوسف إدريس قبل ذلك في «الفرافير»، وحقق نجاحا لافتا إلا أنه مع ذلك ظل حبيس قاعة العرض بشكلها التقليدي، لكن هذه المرة تمارسه «حالة» في فضاء مفتوح، قد يكون الشارع أو الميدان أو الحدائق العامة، أو على شاطئ البحر أو النهر، ما يجعل العرض يحقق مفهوم الفرجة بشكل تلقائي.