انتشار مطاعم الشاورما التركية في البوسنة

يتهافت عليها الأجانب والسكان المحليون في أسواق البلقان

الكرواتي أليو الذي تعلم صنعة الشاورما على يد أتراك أطلق اسم بيغ ماما على مطعمه الذي يتوسط العاصمة زغرب («الشرق الاوسط»)
TT

تظهر يوما بعد يوم مطاعم جديدة للشاورما التركية في منطقة البلقان حتى أصبحت ظاهرة لا تخطئها العين، ففي المدن ولا سيما عواصم منطقة البلقان مثل سراييفو، وزغرب، وسكوبيا، وتيرانا وغيرها، تتوزع مطاعم الشاورما في أكثر من مكان، كما هو الحال في ألمانيا والنمسا وايطاليا ودول أوروبية أخرى. وأصبحت الشاورما ميزة، ولافتة ثقافية خاصة بتركيا، كما هوالحال مع السباغيتي والبيتزا الايطالية أو الحلويات الفرنسية أو الكسكسي المغاربي أو الهمبرغر الاميركي. بينما لا يزال الكوشري والفول المصري وأكلات عربية أخرى متوارية عن السوق الدولي واللافتات الثقافية بحكم الشعور بالنقص الذي يسكن أصحابها رغم اقبال الاجانب عليها. حضور الشاورما في أسواق البلقان وتهافت الاجانب والمحليين عليها كان وراء محاولتنا استطلاع الظاهرة. وقال محمد تشاتين وهو تركي في الخمسينات من عمره لـ«الشرق الاوسط» قدمت إلى سراييفو قبل 9 سنوات، ومنذ ذلك الحين وأنا أعمل بشكل طبيعي». وككل صاحب عمل يخشى من المنافسة، ومن احتمالات أن يكون السائل صاحب مشروع مطعم شاورما فقد عمل على لملمة الموضوع «سراييفو ليست مدينة كبيرة، (نصف مليون ساكن) وزبائني من الجالية التركية المقيمة في سراييفو، طلبة وغيرهم» يعيش محمد (55 عاما) مع زوجته في البوسنة أما الاولاد فقد تركهم في اسطنبول. وأشار إلى أن هناك نحو ألف طالب تركي في سراييفو يتعهدونه بالزيارة وتناول «الدونر» عنده إلى جانب السكان المحليين والسياح. وقد لاحظ بعض السياح الاجانب من ايرلندا والسويد والنرويج، كما عرفت «الشرق الاوسط» من خلال سؤال بعضهم عن جنسياتهم، لاحظوا أن صاحب المطعم يجيب على أسئلة صحافية، فغمروه بالشكر والثناء على الشاورما، وكانت تلك لفتة اخلاقية مهمة، ودعاية بريئة تعبر عن انسجام نفسي وتسامح يقل نظيره في أوروبا. كانت كلمات رائعة جدا وممتازة ولمحة لذيذة وغيرها من التعابير الرقيقة التي كانت تتقاطع مع كلمات محمد وهو يتحدث «الشرق الاوسط» اللحم المستخدم لحم حلال، الجميع يعلم ذلك، والكثيرون يأتون إلى هنا لأنهم يعلمون أنه ذبح حلال. حسين أورمة (40 عاما)، صحافي ترك مهنة الصحافة ليفتح محلا للشاورما في سكوبيا وهو يعمل كغيره من أصحاب محلات الشاورما، متزوج من امرأة محلية وله منها بنتان، افتتح المطعم كما ذكر سنة 2000، وكان يعمل قبلها في الأسواق وفي المهرجانات الشعبية الصيفية التي تقام في طول وعرض البلقان، وهي مناسبات للترويج التجاري، والتعارف بين الشباب من الجنسين بغرض الزواج. وعن دوافع فتحه لمطعم شاورما قال «كنت دائما أفكر في هذا العمل فقد ملك علي كياني، فتح المطعم ليس لان له عائدا ماديا وإنما لانه يروج لشكل من أشكال ثقافتنا وهو الطعام المحلي».

وعن زبائنه أشار حسين إلى أن زبائنه من المواطنين المحليين والأجانب «كثير من المواطنين عملوا في تركيا وألمانيا ودول أخرى تنتشر فيها مطاعم الشاورما التركية لذلك يقبلون على المطعم» وخلاف ما أكده محمد تشاتين فإن السياح الاتراك الذين يفدون إلى البلقان لا تستهويهم الشاورما التركية فهم متخمون منها، على حد تعبيره، بما في ذلك الطلبة، أما السياح فإنهم يفضلون الاكلات المحلية لان الشاورما موجودة في بلادهم. لكن ذلك لم يؤثر كثيرا على سوق الشاورما في البلقان بيد أن الطلب أكثر على الكباب كما يقول حسين «أنا لا أبيع أكثر من 150 كيلوغراما من اللحم في اليوم، بينما مطعم الكباب الذي لا يبعد من هنا 150 مترا يبيع 600 كيلو في اليوم الواحد. ولا شك فإن بيع 150 كيلوغراما في اليوم كثير جدا، ولكن عند المقارنة يبدو قليلا، وربما نسي حسين أن مطاعم الشاورما كثيرة وأقرب إليه من مطعم الكباب.

وعن تركه لميدان مهنة الصحافة التي عمل فيه مدة 13 سنة، قال الاعلام يتعامل مع الدماء ومع المآسي ويصيب الصحافيين بالكآبة والتجهم وكنت أتأثر بما أرى فقد غطيت الحرب في البلقان بينما الشاورما أكسبتني أصدقاء وزبائن يقولون لي بعد تناولهم الطعام شكرا ويذهبون مسرورين لكنه لم يخف حبه لمهنته الأولى هي في دمي الكاميرا لا تفارقني. وليس الاتراك وحدهم من فتحوا مطاعم الشاورما، بل بدأ المحليون والاجانب بتقليدهم وفتح مطاعم تبدو أكثر فخامة من المطاعم التركية التقليدية البسيطة، ومن ذلك كرواتي يفضل مناداته ب أليو، بينما أطلق اسم بيغ ماما على مطعمه الذي يتوسط العاصمة زغرب. وقد تعلم أليو صنعة الشاورما، كما ذكر لما كان في ألمانيا لمدة 10 سنوات، حيث أخذ الصنعة على يد الاتراك. وهو كغيره مرتاح رغم أنه لم يمض على افتتاح المطعم أكثر من 6 أشهر، فقد تم افتتاحه في الاول من مايو الماضي. وعن نوعية زبائنه قال ان الجميع يأتون، المحليون والسياح الاجانب والمقيمون وكان مشغولا بالعمل وهو يتحدث لـ«الشرق الأوسط» حيث كان منهمكا في تحضير أطباق الشاورما للزبائن المتلهفين لالتهام شرائحه المخلوطة بالسلطة والسقاء الخاص والبهارات المختلفة، لذلك طلب من مدير المطعم ألمير مرتاضيتش، مواصلة الرد على الاسئلة ولم يكن الآخر أفضل حالا من صاحبه فقد كان يرد على الهاتف على طلبات الزبائن. سألته «الشرق الاوسط» عن الشخصيات المعروفة التي تأتي لتناول الشاورما في المطعم فذكر لفيفا من السياسيين والرياضيين ولا سيما لاعبي كرة القدم وبعض الوجوده الثقافية والإعلامية ومنظمي المهرجانات المختلفة في البلاد.

أما الزبائن الذين يطلبون الشاورما في المنازل وأماكن العمل «فبعض المقيمين في الفنادق والاستراحات الذين يريدون تغيير نوعية الاكل ولا يرغبون في الطبخ بأنفسهم وموظفي البنوك وبعض العاملين في السفارات أثناء فترة العمل». وليس التغيير هو وحده الذي يقف وراء الإقبال على الشاورما بل الاسعار أيضا وسط انخفاض قيمة صرف العملة المرتبطة بالدولار مقارنة بالعملة المحلية فمن راتبه ألف دولار يخسر ما لا يقل عن 200 دولار عند تبديل العملة، فضلا عن غلاء السلع الاساسية وارتفاع قيمة الفواتير كالغاز والكهرباء والماء وغيره وهو ما أكده الزبائن لـ«الشرق الأوسط».