7 فنانين يشاغبون التراث والضوء في معرض جماعي بقاعة بيكاسو

معزوفة تشكيلية سعودية في القاهرة

من أعمال الفنان فواز أبو نيان
TT

مشهد تشكيلي لافت ومتنوع قدمه سبعة فنانين سعوديين ينتمون لجماعة الرياض التشكيلية، في معرض جماعي حمل عنوان «رموز» استضافته أخيرا قاعة بيكاسو بالقاهرة. تنوعت فضاءات هذا المشهد ورموزه ما بين اللعب على تيمات تراثية يبرز فيها روح المكان بخلفيته البيئية والحضارية، وبين التجريد كحالة فنية تجتهد في أن يكون لها طابعها الخاص، ثم اللعب على اللون كمغامرة مفتوحة على روافد ومقومات إنسانية وطبيعية.

في المنظور الأول يمكن النظر إلى أعمال علي الرزيزاء حيث تطالعنا تعاشيق طولية وعرضية لشرائح تستوحي أنماطا من فن عمارة القصور الملكية. ويستخدم الفنان عجائن لونية ثقيلة، تبرز حركة الغائر والناتئ فوق أسطح الخطوط المتصلبة ببريقها الذهبي والمعدني، وحوافها الحادة، وكذلك في تجاويف الخامة المثقلة بمساحيق التوشية والزخرفة والنمنمة وغيرها من مفردات الترصيع التي تفرضها طبيعة هذا التكوين المصمتة. وبرغم ما تتميز به هذه الأعمال من حرفية ودأب في البناء، والإيهام بمظهر تجريدي ثابت، إلا أن القيمة التراثية ظلت حبيسة الأطر التقليدية، فالخطوط تحد الكتلة من كل اتجاه، وتضفي عليها مسحة من الرزانة الصارمة، لا تتجاوزها إلى تفاصيل أخرى غير متوقعة، كما يقيد الاكتظاظ البادي في اللوحات حركة الشكل والفراغ، ويجعلها مجرد صدى فاتر لتراكيب ذات طابع هندسي مقفل على نمط محدد. وفي أعمال عبد العزيز الناجم، وفواز أبو نيان نلمح تدويرا آخر لهذه التيمة التراثية يميل إلى البساطة، وغمر العناصر والأشكال والرموز في تدرجات لونية رشيقة، تتفاوت ما بين النعومة والرقة أحيانا، وبين التموج والصخب الشفيف أحيانا أخرى، الأمر الذي يجعل اللوحات بمثابة نافذة حية، مفتوحة على البدايات والنهايات، يدخلها اللون والضوء من كل اتجاه. فيما تومض في الخلفية حزمة من الرموز التراثية، أهلة وأقواس ووحدات هندسية مصغرة، تتنامى مع حركة الخطوط الهلامية الصاعدة من أسفل إلى أعلى اللوحة، مكونة ما يشبه طاقة نور أو أمل، يدعم هذا استخدام ألوان خفيفة، من البنيات المزوجة بمسحة برتقالية، ولطشات من الأصفر والأبيض، أو الأزرق الساجي المطعَّم بنتف وخيوط من البياض والخضرة والحمرة. واللافت أن هذه الألوان تنساب على مسطح اللوحات بأناقة وتنوع، وكأنها غلالة شفيفة تكسب الشكل معنى الوقار واللذة في الوقت نفسه.

حساسية أخرى تجاه الضوء واللون، مسكونة بهم التجريد بطابعه اللا شكلي والهندسي والشعري نتلمسها في لوحات: فهد الحجيلان، وسمير الدهام، ومحمد فارع، فمعظم هذه اللوحات ترتكز على اللون كمقوم أساسي في التعبير عن شخصيتها، فاللون هو البطل، هو الذي يصنع الكتلة والشكل، ويوحي بأنهما مظهر من مظاهر وجوده وحريته. وبرغم أن اللوحات تعتمد في إبراز ذلك على التضاد في النور، إلا انه تضاد يتحاشى التوتر، ويغيب حضور الخط، في مقابل التصالح مع بقية العناصر الأخرى، واللعب معها في مساحات لونية صريحة، يتجاور فيها الأصفر والأسود والأحمر والبني بتدرجاتها المألوفة، بعيدا عن ربكة الوحشة والعتمة. لذلك تتسم علاقة الكتلة ببقية العناصر في اللوحات بالحياد، وهو ما يحقق معادلة اتزان رخوة بين الكتلة والفراغ. ومن ثم نستشعر في هذه اللوحات ثقل الكتلة وكثافة مادتها اللونية، ونفتقد كثيرا نزوات ورعشات الضوء على أسطحها الخشنة الداكنة. تنفلت من هذا السياق ـ إلى حد كبير ـ أعمال ناصر التركي، فثمة مغامرة جمالية، مشدودة بتوتر فني، وشاعرية موحية، إلى ما وراء الأشكال والألوان، ونحس بضربات ولهاث الفرشاة، وإيقاع الدوامة والموجة المتلاحق، وكأنها بمثابة شبكة لاصطياد الشكل، ووضعه في قفص اللوحة ليبتكر صيغا وحلولا لحريته ووجوده، والسعي في الوقت نفسه لإثراء الخامة البسيطة وإبراز مقدرتها على التنوع والابتكار. فالشكل يتفتق من هذه العصارة اللونية، على هيئة أنثى أو غيمة، أو شلال من مطر.. لتبقى اللوحة في النهاية وكأنها عاصفة من موج الحياة.