قرويو لبنان يواجهون أزمة المحروقات بالعودة إلى الحمير والبغال

عملا بالمثل اللبناني: «ما إلك إلا قديمك.. جديدك لا يدوم لك»

حمار ينقل قوارير الغاز («الشرق الاوسط»)
TT

لم يكتف بعض اللبنانيين، ولاسيما القرويون منهم في المناطق النائية من الشمال والبقاع والجنوب بالحنين الى زمن الحمير والبغال في مجال النقل والانتقال، بل اضطرهم ارتفاع اسعار المحروقات الجنوني الى العودة لاقتناء احدى هاتين الوسيلتين اللتين «لا تحرقان القلوب ولا الجيوب»، كما يقول احد القرويين في منطقة عكار.

ومن يجول في بعض قرى عكار الحدودية وبعض قرى البقاع النائية، وبعض قرى الجنوب الحدودية، وحتى بعض السهول المحيطة بالمدن والبلدات الكبرى، لا بد من ان يلاحظ عودة لافتة الى الحمير في نقل الغلال والمحاصيل من الحقل الى المنزل، وفي الانتقال بين الملكيات الجردية المتباعدة.

ويحدثنا احد القرويين عن هذه «العودة القسرية» قائلاً: «صفيحة البنزين تجاوزت 32 الف ليرة حوالي (21 دولاراً) وصفيحة المازوت لامست 40 الف ليرة (حوالي 36 دولاراً). فمن اين نأتي بالمال لشراء سيارة او شبه سيارة، او للانتقال والنقل عبر السيارات العمومية. والحبل على الجرار. ولذلك فضلنا العودة الى الحمار على قاعدة المثل اللبناني: «ما الك الا قديمك.. جديدك لا يدوم لك». فالحمار لا يحتاج الى بنزين ولا مازوت، ولا تغيير زيت، ولا تصليحات ولا زيارات الى الميكانيكي او اختصاصي الكهرباء. بل هو يكتفي بالتبن والحشيش... والشعير لـ «الفخفخة» على اساس ان سعره ايضاً تعرض لزيادات كبيرة مثل سائر الحبوب».

ويضيف ان «استخدام الحمار اليوم بات محصوراً بالانتقال بين المنزل والحقول البعيدة، ونقل الغلال والمحاصيل او الاسمدة. اما في القديم فكان الحمار جزءاً من حياة القروي المزارع يستخدمه في النقل والانتقال بين المنزل والحقل، وفي رهس الحبوب على البيادر، ونقل المياه من الينابيع و«عيون الماء» قبل ان تمتد شبكات توزيع المياه الى البيوت، وحراثة الارض وغير ذلك...».

وقد اشتهرت بلدة النبطية (جنوب لبنان) قديماً بوجود «سوق للحمير» فيها كل يوم اثنين. ويحدثنا كامل شميساني (موظف سابق ومقيم دائم في البلدة) عن هذه السوق: «هذه السوق لم تعد قائمة اليوم بالطبع. اما في الثمانينات وما قبل كانت هناك مساحة كبيرة من مشاعات البلدة تخصص كل يوم اثنين لبيع كل انواع الحيوانات من حمير وأبقار وماعز وأغنام ولبيع الغلال والملبوسات ايضاً. وكان يتوافد اليها اصحاب المصالح من كل الاقضية المجاورة والبعيدة للفوز بما يبتغونه. وكانت الحمير متوافرة بألوانها المختلفة، وغالباً ما كان المشترون يعودون الى منازلهم ركوباً. والحمار المعروض للبيع كان يجب ان يتجاوز عمره السنتين، وكان التزاوج يتم محلياً، وخصوصاً بين حمير الجيران، وكان «المولود» عادة، اي «الكر» موضع بهجة العائلتين.

ويضيف شميساني: «ان الحمار يستطيع ان يحمل الى حدود 100 كيلوغرام، وان يمشي عشر ساعات متواصلة، وهو «يلبط» في حالتي الفرح والحزن. واذا كان قد عرف عنه الخضوع وتلقي الاهانة، فانه قد «يستشرس» احياناً قليلة يحتاج عندها الى ترويض».

وفي بلدة «روم» الجنوبية ايضاً، لاتزال تجري في شهر ايلول من كل سنة مباريات بين الحمير.

والحنين الى الماضي استدعى ايضاً من بعض القرويين اقتناء البغل كوسيلة نقل بديلة عن السيارة. ويقول ايهاب سليم (صاحب بغل سابق، او مكاري كما يسميه اللبنانيون): «البغل كما هو معروف ابن فرس وحمار، او ابن حصان ودابة (انثى الحمار)، وهو بدنياً اصلب عوداً من الحمار. واذا كان سعر هذا الاخير اليوم بين 50 الفاً و100 الف ليرة، فان سعر البغل بين 200 الف و3 ملايين ليرة، بحسب عمره، وقوته وشكله».

واذا كان الحمار يستخدم في الاحمال المحلية، فان البغل يستخدم للاحمال بين القرى والمدن، ولذلك تبلغ احمال هذا الاخير ضعف احمال الحمار ويعتلف ضعف علفه. ويمشي ضعف مشيه، ويحرث ضعف حراثته. وهو لا يتزوج ولا يتوالد بعكس الحمار الذي ينجب حتى التوائم ويتزوج مرة واحدة في السنة وغالباً ما يكون «العرس» بين مايو (ايار) ويونيو (حزيران).

وكثيراً ما كان البغل يؤتى به عبر مسالك التهريب من سورية، ليستخدم، خصوصاً، في جر الطنابر (والطنبر كناية عن هيكل خشبي مقوى يجره البغل لنقل المحاصيل والغلال او بيعها في الاسواق المحلية). وقد يكون الفارق الاساسي بين الحمار والبغل ان الاول «افضل» مهندس للطرقات، فيما الثاني عشوائي الخطى.