البلقان: صناعة النحاس بين الإرث التركي والعرض السياحي

عائدة بروفاتس لـ «الشرق الأوسط» : نخشى انقطاع تقليد ورثناه عن الأجداد

سوق الصناعات النحاسية في سراييفو («الشرق الأوسط»)
TT

تعتبر الصناعات التقليدية في أي بلد، مكسبا تاريخيا وحضاريا، إلى جانب بعدها الاقتصادي والسياحي. كما تمثل طابعا جماليا، تضفي على الشوارع والأماكن التي توجد بها مسحات فريدة، ولوحات غنية بالمعاني والإيحاءات الفلسفية في عمقها الثقافي والوجودي. ومن الصناعات التقليدية في منطقة البلقان صناعة النحاس التي ورثتها شعوب المنطقة عن الاتراك منذ مئآت السنين، وأصبحت بفعل التوطين صناعات تقليدية محلية تتوارثها الأجيال. فمن النحاس تصنع أواني الطبخ ودلات (جمع دلة) إعداد القهوة، والاباريق (جمع ابريق) والحلقات النحاسية التي يزين بها أبواب ومداخل المنازل، كما هناك فن الرسم على النحاس، حيث تنتشر لوحات رائعة لمدن ومساجد، وأشكال هندسية و منها ما كتب عليها آيات من الذكر الحكيم وفق أشكال الخط العربي الجميل. يقول عصمت حسينوفيتش (30 سنة) من سراييفو لـ«الشرق الاوسط» ان اسرته «تنهض بهذا العمل منذ 280 عاما» مشيرا إلى أنهم توقفوا عن العمل أثناء فترة الحرب، لكنهم عادوا لاستئناف نشاطهم قبل 7 سنوات. وأفاد حسينوفيتش بأن «المواد الخام تستجلب من ايطاليا وألمانيا واستراليا»، وأن «المتر المربع يكلف نحو 100 يورو». ولا توجد أماكن للتصنيع وأخرى للعرض، بل كل ذلك يقع وسط المدينة وداخل المحل نفسه دون أن يؤثر على الهندام العام أو المظهر الجذاب. كما أن عملية البيع تتم بالقطعة في أغلب الأحيان وقل إن تمت صفقة بالجملة. وحول الجنسيات التي تقبل أكثر على شراء المنتوجات النحاسية من الأواني واللوحات والهدايا قال «السلوفينيون وأكثر مساومة على الأسعار الأتراك والعرب». ونفى حسينوفيتش تلقي اسرته أي مساعدات من الدولة مؤكدا أنه يمثل تقاليد راسخة ورثها عن أجداده «هذا ميراث الاجداد أخذت الصنعة عن والدي الذي أخذها عن جدي وأخذها بدوره عن أبيه وسأورثها لاولادي، وهذه التقاليد لن تموت بعون الله». عايدة بوروفاتس في الخمسينات من عمرها وواحدة من النساء القليلات في السوق استقبلت « الشرق الاوسط» بحفاوة بالغة، تقول «عندما توفي والدي سنة 1989 لم يكن لي أخ يتولى العمل في هذا المحل وكان لزاما علي حفظ الامانة وأداؤها على أحسن وجه». وتابعت بمرارة «ليس لدينا أبناء ذكور، ونخشى انقطاع تقليد ورثناه عن الاجداد».

وأشارت عايدة إلى شهادة معلقة على الجدار تثبت أن جدها راشد أحمتاشوفيتش من مواليد سراييفو عام 1890 ورث الحرفة عن والده، لكن افتتاحه لمحل خاص لم يتم سوى في 30 أكتوبر 1933.

وعما إذا كان هناك من سيرث الصنعة مستقبلا، جددت بوروفاتس أسفها الشديد، «ليس لنا أبناء، فقط ابنة وحيدة تعمل مدعية عامة في المحكمة الابتدائية، ولدينا حفيدة وأتمنى أن يكون لنا حفيد يحافظ على هذا التقليد الأسر». وترى عايدة أن «عديد السياح يزداد يوما بعد يوم ولكنهم يصرفون أقل مما كان في السابق ولا سيما قبل الحرب». وعن أفضل الزبائن شاطرت عايدة، عصمت حسينوفيتش رأيه بأن «السلوفينيين أفضل الزبائن، فهم ينفقون أكثر من الايطاليين والألمان والاسكندنافيين». ودلة القهوة هي اكثر القطع بيعا، تقول عايدة ان الكثير من الأوروبيين يسألون عن طريقة تحضير القهوة على الطريقة التقليدية التي يمكن أن تطبخ على الجمر أو الغاز أو الكهرباء» و هي تقدم مع السكر (قوالب) أو راحة الحلقوم.

من جهته قال مدير دائرة التنشيط السياحي، ميرزا جراديليشيتش إن «الصناعات التقليدية رافد مهم من روافد السياحة، وأحد القطاعات التي يهتم بها السياح كثيرا». وتابع «نحن نقدم جميع المعلومات للسياح عن المتاحف والفنادق والمواصلات والاماكن السياحية وفق ظروف كل طبقة من الطبقات، فالطلبة مثلا يسألون عن الأقل سعرا ورجال الاعمال عن الاكثر راحة وهكذا». وذكر جراديليشيتش بأن عديد السياح يزداد باستمرار ولا سيما من «الدول الاسكندنافية ودول أوروبا الغربية والشرقية وحتى من آسيا وأميركا اللاتينية ولا سيما من البرازيل».