«كباريه».. يعلن انتهاء عصر سطوة النجم الأوحد ويرصد ازدواجية المجتمع

يعتلي عرش إيرادات السينما في مصر ويفاجئ الجميع بنجاحه

يشترك في بطولة الفيلم حشد من النجوم من أجيال مختلفة («الشرق الأوسط»)
TT

في الوقت الذي انتظر فيه المتابعون للسينما المصرية، أن يكون فيلم «كباريه» امتدادا لسلسلة أفلام السبكي، والذي يمكن أن يحقق إيرادات تتجاوز عدة ملايين من الجنيهات، من دون أي رصيد فني يذكر، مثلما حدث مع «اللمبي» و«عمر وسلمى» وغيرهما، حقق الفيلم المعادلة الصعبة: نجاحا جماهيريا فائقا، وإشادة نقدية لافتة، وبدا أحمد السبكي وكأنه يغفر بهذا الفيلم كل خطاياه في حق التمثيل.

ومثلما كان نجاح موجة أفلام «المضحكين الجدد» له أسبابه وأبرزها كسر الملل، الذي أصيب به الجمهور وقت ظهورها من أفلام المقاولات والعري والمخدرات يدشن «كباريه» حاليا، مرحلة أخرى يكسر بها ملل مرحلة الضحك الساذج، التي تشبع بها الجمهور، ورغبته في التحرر من سطوة النجم الأوحد وتوافق البطولة الجماعية مع مزاجها حاليا. على أفيش فيلم «كباريه»، تتزاحم وجوه خمسة عشر نجما مصريا، شاركوا في تمثيل نص سينمائي كتبه أحمد عبد الله وأخرجه سامح عبد العزيز. يشترك في البطولة حشد من النجوم من أجيال مختلفة منهم: صلاح عبد الله، وجومانة مراد، ومحمد لطفي، وهالة فاخر، وخالد الصاوي، وإدوارد، ودنيا سمير غانم، وماجد الكدواني، وأحمد بدير، وعلاء مرسي، ومحمد الصاوي، ورانيا يوسف، وفتحي عبد الوهاب، ومحمود الجندي، ومي كساب.

يلعب الفيلم على «تيمة» التناقضات في المجتمع التي نحياها ونتعايش معها في ازدواجية لافتة، من خلال تناول شريحة نادرة وغامضة، تستمد غموضها من مكان الأحداث وهو «الكباريه» كعالم متكامل ثري بالنماذج البشرية، يتخطى بها التقسيم التقليدي (الأخيار والأشرار) أو الناس في خارج الكباريه وداخله، إلى ثنائية أخرى فيقدم كل شخصية رواد الملهى بحكايتين: جانبها الدنيوي الشرير بعملها في الكباريه، وجانبها الخير، سواء كانت تصلي أو تعتمر أو تسعى للحج، وربما بهذا يسعى المخرج إلى أن يقول إن العالم الذي نعيش فيه، هو كباريه آخر، يشبه الكباريه الذي تدور فيه أحداث الفيلم. «كباريه» يمكن القول فيه إنه فيلم التناقضات الغريبة، «فؤاد» صاحب الكباريه، الذي أدى دوره صلاح عبد الله يشرب اللبن، ويرفض تناول الخمر، رغم اقتسامه مع بنات الليل نقودهن، يستمع إلى المنشد النقشبندي في دعاء «مولاي إني ببابك»، فيما يصدح المطربون الشعبيون في صالة الكباريه بأغان مبتذلة وسوقية، يجهز التذاكر للسفر للعمرة، في الوقت الذي تعقد فيه الصفقات الجنسية في صالة الكباريه، ويدفع «بوسي»، التي قامت بدورها دنيا سمير غانم، للجلوس مع الزبائن. نجد أيضا شخصية «نهى» مضيفة الكباريه، التي قامت بدورها الفنانة السورية جومانة مراد، وهي لا تتوقف عن الرقص طوال الليل، واستقطاب البنات للعمل في الكباريه، تجمع الفلوس حتى تذهب بوالدتها إلى الحج. قمة التناقض أيضا في شخصية «سيد كيت» جامع النقطة، التي أداها علاء مرسي، يجمع آلاف الجنيهات، وهو لا يملك ألف جنيه ثمن مصروفات مدرسة ابنته. وهناك «عم علام» المشرف على العاملين بالكباريه، وأدى دوره الفنان أحمد بدير، يتوقف عن متابعة الزبائن من أجل صلاة الفجر.

تحمل كل شخصية في الفيلم مأساتها الخاصة، فالبودي غارد «فرعون» الذي أدى دوره محمد لطفي، كان أحد أبطال أكتوبر، وبعد تجاهل الدولة له اضطر للعمل حارسا في «الكباريه»، ماجد الكدواني قدم دورا تراجيديا لشخصية شقيق صاحب الكباريه، الذي كان يملك نصفه، وانتهى به المطاف حارسا لدورات المياه، خالد الصاوي قدم دور مطرب شعبي اسمه «بلعوم» تدعمه ثرية عراقية «أم حبشي»، أدت دورها هالة فاخر، تبكي على ما يحدث في العراق، رغم أنها ولادت في أميركا، وعاشت في لندن، وتعلمت في بيروت.

يرصد الفيلم كذلك صراع الأجيال الفني، من خلال التنافس الشديد بين خالد الصاوي وإدوارد، وهي قصة لها صدى في الحقيقة بين مطربين معروفين الآن، قصة الفيلم تدعو للنظر إلى شخصيات الكباريه بشكل إنساني، والتعاطف مع مآسيهم بعيدا عن وجوههم المزيفة، التي يظهرون بها كل ليلة في فضاء الكباريه.

تنتهي الأحداث نهاية مأساوية بتفجير الملهى كله، ووفاة من فيه، باستثناء عم علام «أحمد بدير»، الشخص الذي قرر ترك العمل في المكان، وهي نهاية زادت من تعاطف الجمهور مع أبطاله رغم انحيازها الأخلاقي.

وعلى ذلك لم تكن البطولة الجماعية فقط، وإنهاء عصر النجم الأوحد، وتوافق الجمهور مع ذلك، هي التي دفعت بفيلم «كباريه» إلى قمة الإيرادات، ففي السباق أفلام أخرى انتهجت نفس النهج مثل «ليلة البيبي دول» الذي فاق «كباريه» في التكلفة الإنتاجية، فهناك من يؤكد أن تسليط الضوء على عالم الملاهي الليلية، المختفي خلف أجسام «البودي قاردات» المصفحة والنوافذ المغلقة، وظلام الليل الدامس، لعب على فضول الجمهور لاستكشافه، وهناك رؤية أخرى تفسر نجاح الفيلم برصده الواقعي لشخصيات لفظها المجتمع، فتعامل معها العمل كضحايا، أما الرؤية الأبرز، فأكدت أن كل منا يحيا في ملهاه الخاص، يرتكب نفس الخطايا، ويعيش نفس الازدواجية، وذهب للسينما ليشاهد نفسه في مرآتها.