معارضة شعبية ودينية لملصقات الحد من النسل في القاهرة

البعض يرى أن العائلة الكبيرة خير معين للأسرة

خصصت وزارة المالية المصرية ما يوازي 42 مليون دولار للإنفاق على الحملة الإعلامية والتجهيزات الطبية وتوفير وسائل تنظيم النسل للرجال والنساء («الشرق الأوسط»)
TT

«لما نحكم عقلنا... نتعلم كلنا»، «لما نحكم عقلنا... نشرب كلنا».. شعارات تكتسي باللون الأحمر والأبيض باتت مؤخرا الملصق الدعائي الأبرز الذي يملأ شوارع القاهرة الرئيسية وفوق الجسور الرابطة بين شطري العاصمة في تدشين لحملة إعلامية ضخمة لحث المجتمع المصري على مواجهة الانفجار السكاني وتحديد النسل بعد مؤتمر السكان الذي حضره الرئيس حسني مبارك الشهر الفائت.

وفي سبيل الترويج لتوصيات المؤتمر، خصصت وزارة المالية المصرية ما يوازي 42 مليون دولار أميركي للإنفاق على الحملة الإعلامية والتجهيزات الطبية وتوفير وسائل منع الحمل للرجال والنساء، في وقت لا يكترث فيه كثير من المواطنين بالنداءات الإعلامية المتكررة بخطورة الزيادة السكانية على مستقبل البلد الأكثر سكانا في المنطقة العربية.

مصر التي تحتل الآن المرتبة السادسة عشرة بين الدول الأعلى كثافة سكانيا على مستوى العالم، يقترب تعداد سكانها من 80 مليون نسمة يزداد عددهم كل سنة نحو مليون وثلاثمائة ألف طفل، وينتظر أن تكسر هذه الزيادة السنوية حاجز المليوني نسمة في غضون عدة أعوام. ابتسم احمد بيومي، مدرس وأب لثلاثة أولاد، وهو يؤكد أنه لن يتوقف عن الإنجاب ما استطاع إلى ذلك سبيلا، واصفا هذه الملصقات التي تملأ شوارع القاهرة بالسذاجة، معتبرا إياها «تبريرا لفشل الحكومة اقتصاديا واجتماعيا»، ويضيف بيومي أن الولد الذي لا تريد الحكومة إنجابه ربما يكون عالما كبيرا أو مخترعا بارزا، فلماذا نحرمه من الحياة؟ ويتابع بيومي تساؤلاته «لماذا لم تعمر الحكومة الصحراء وتستصلحها حتى الآن؟ كانت في حوض النيل أراض خصبة ومزروعة منذ آلاف السنين، لكن نتيجة للبيروقراطية تم تحويلها في السنوات الأخيرة إلى كردونات مبان سكنية صارت تحيط بالقاهرة من كل الجهات وانكمشت مساحة الأراضي المزروعة، ومن ثم تفاقم أزمة الغذاء في مصر». أما الحكومة، خلافا لبيومي، فترى الوضع السكاني صعبا، إذ يكشف المجلس القومي للسكان أن ثبوت معدل الإنجاب الكلي عند مستوى ثلاثة مواليد لكل سيدة يعني أن يصل عدد سكان مصر إلى 94.6 مليون نسمة بحلول عام 1917 وحوالي 118.4 مليون نسمة بحلول 2030، وسيصل عدد التلاميذ في التعليم الابتدائي إلى 11.6 مليون تلميذ، و14 مليون تلميذ على الترتيب، وسوف يتراجع نصيب الفرد من الأرض الزراعية إلى 15 فردا لكل فدان، ونصيب الفرد من المياه إلى 3.5 متر مكعب بحلول عام 2030، أما إذا أمكن خفض معدل الإنجاب إلى 2.1 % فسيصل عدد السكان إلى 89.8 مليون نسمة عام 2017، والى حوالي 103.6 مليون نسمة في عام 2030، أي تخفيض تقديرات حجم السكان حوالي 15 مليون نسمة.

منير فخري عبد النور عضو البرلمان السابق عن حزب الوفد المعارض، يرى أن هذه الدعوة لتنظيم النسل واجبة خصوصا في ظل المؤشرات الاقتصادية الحالية، مضيفا أن معدلات النمو انخفضت في التسعينات حينما كان تنظيم النسل على قائمة أولويات السياسة المصرية بينما شهد هذا العقد عودة لارتفاع هذه المعدلات. ويعتبر عبد النور أن هذه الملصقات التي تملأ شوارع القاهرة ضرورية، لكنه يرى أن العمل الميداني هو الأهم لمواجهة مشكلة مرتبطة بوضع المرأة في المجتمع وعمالة الأطفال ومشكلة التنمية عموما، مشددا على أهمية العمل التثقيفي والتنويري خاصة في منطقة صعيد مصر، حيث تظهر المؤشرات ارتفاع معدلات النمو السكاني هناك بشكل ملحوظ.

الداعية الإسلامي خالد الجندي الذي دأبت وسائل إعلام حكومية على استضافته للحديث حول هذا الموضوع، فقد اعتبر أن تنظيم النسل «حلال»، موضحا الفرق بين التنظيم والتحديد، إذ يرى الجندي أن قوانين الدنيا تقوم على الأخذ بالأسباب وأن تنظيم الأسرة فيه صالح المجتمع، بينما عارض الجندي اتجاه بعض المجتمعات الغربية لتعقيم المرأة للحد من الإنجاب أو لمنعه، معتبرا أن ذلك هو الحرام بعينه.

الحملة الإعلامية التي تغطي الشوارع جاءت بعد سنوات من الحملة التي أطلقت في عقد التسعينيات وتكلفت ما يقارب 10 ملايين دولار وحظيت بنسبة نجاح لم تتجاوز 2% كون تنظيم النسل لا يزال يواجه معارضة شعبية ودينية كبيرة في مصر، باعتبار كثير من المصريين أن ذلك يعد تدخلا من جانب المخلوق فيما يقدره الخالق سبحانه وتعالى، وخلطا بين «تخصصات السماء وتخصصات الأرض» كما قال بائع الفاكهة أحمد عبد الرحمن الأب لأربعة أبناء أكبرهم لم يتعد الثانية عشرة من عمره. عبد الرحمن يرى أن العائلة الكبيرة خير معين للأسرة من الناحية الاقتصادية والاجتماعية خاصة عندما يبلغ الوالدان سن الكبر. أما حسن، فقد قادته رغبته في إنجاب صبي إلى الانتظار حتى وصل عدد بناته إلى خمس قبل أن يأتيه محمود؛ وذلك رغم الوضع الاقتصادي والاجتماعي الصعب الذي تحيى فيه أسرته اليوم.

وتبدو مواقف الكثيرين في الشارع المصري انعكاساً لخطاب ديني تطور في حقبة الثمانينيات يعتبر مجرد الحديث عن تحديد النسل «حراما» وجريمة في حق المجتمع المسلم ومؤامرة غربية لحرمان الإسلام من قوته الذاتية المتمثلة في أبنائه، في وقت يظل معدل النمو السكاني في العقد الأخير مستقرا عند نسبة 2%، فيما استقر معدل الخصوبة الكلي للمرأة المصرية عند 3.1 طفل لكل سيدة مقارنة بـ2.1 في الولايات المتحدة الأميركية.

الشيخ جمال قطب رئيس لجنة الفتوى السابق بالأزهر الشريف يرى أن الإعلام قد انتقل من الحديث عن تنظيم النسل إلى تحديده، مؤكدا أن هذا التحديد يعني اقتصار الإنجاب على عدد معين من الأبناء. ويبين قطب أن خضوع هذا التحديد لقرار حكومي رسمي لا يجوز، كونه يعارض توجيه الإسلام إلى تكثير النسل، وأن الدعوة إلى تحديد النسل تحت شعار أن إطلاقه يؤثر على الأوضاع الاقتصادية في ظل قلة الموارد إنما هي مخالفة لحسن الظن بالله والتوكل عليه ونفي صفة العطاء الإلهي ومعلومية أن الله يتكفل برزق عباده.