حراس المدارس في السعودية.. آباء ومصلحون ورجال هيئة أحيانا

«خزنة المعلومات» تلعب دورا «دبلوماسيا» في تحسين علاقة «القط بالفأر»

العم عبد الرحمن الحارثي حاملا عصاه في يد ومايكرفونه في اليد الأخرى (الشرق الأوسط»
TT

24 عاما قضاها العم عبد الرحمن الحارثي وهو يقف بجوار بوابة مدرسة ثانوية للبنات في جدة، يعمل في حراستها، حاملا في كل صباح ومساء عصاه في يد ومايكرفونه في اليد الأخرى وكأنه احد المطربين المعروفين.

يستيقظ كعادته قبل ان تشق خيوط الشمس عنان السماء ليفتح بوابة المدرسة تحسبا لأي مجتهدة «ثقيلة دم» تصل باكرا، وخشية ان تضطر ان تجلس عند باب المدرسة وهو امر لا يقبله اطلاقا.

تلك المدرسة ومحيطها وكل لبنة فيها، هي عمر العم عبد الرحمن وحياته وراحته وشقاؤه، وقبل كل ذلك كل طالبة ومعلمة وموظفة هي ابنة له، يعرف احيانا كل افراد عائلتها او معظمهم، ويعرف الكثير من اسرار بيوتهم وامورهم الخاصة.

ولان الحارثي ليس مجرد حارس عادي يحرس باب مدرسة تستقبل آلاف الطالبات وعشرات المعلمات يوميا، فهو قصة خاصة تستحق ان يؤلف فيها كتاب مطول، فهو بالاضافة الى عمله في الحراسة، مقرب جدا من مديرة المدرسة وكثير من أولياء امور المعلمات والطالبات، اضافة الى انه احيانا صاحب القرار الاول في امور كثيرة في اطار المدرسة.

لكن الطريف واللافت وقبل التوسع في حكاية انسانية تتعلق بآلاف حراس المدارس في السعودية، هي علاقة الحارس بمديرة المدرسة وهو ما تصفه احدى مديرات المدارس، وهي تضحك «علاقة القط والفأر» وهي العلاقة المتعارف عليها بالكر والفر، والسبب كما تشير بان معظم الحراس كبار في السن يرفضون ان تكون رئيستهم امرأة. وحتى لا نغفل جزءا مهما من القصة، فان لزوجة الحارس التي تعمل حسب النظام معه كعاملة في المدرسة، دورا دبلوماسيا مهما جدا في امن المدرسة وتوطيد علاقة الحارس بالموجودين داخل المدرسة اضافة الى تقريب وجهات النظر بينه وبين المديرة في حال احتدم النقاش والخصام، اضافة الى انها «خزنة المعلومات» التي يمكن للحارس ان يستقي منها أي معلومة عن أي طالبة او معلمة وظروفها ومشاكلها. ولذلك يلعب احيانا الحارس وزوجته دورا اخر قد لا يعرفه الا القلة وهو دور اصلاح ذات البين والنصح والارشاد سواء بين المعلمات وازواجهن او بين الاباء وبناتهن.

يقول العم عبد الرحمن ساعد الحارثي الذي يعمل بهذه المهنة منذ 24 عاما، اربعة عشر عاما منها في المدرسة الخامسة والخمسين، الثانوية بجدة ويتخذ ركنا منها منحته وزارة التربية كسكن له ولعائلته «عملنا لا ينتهي ولا يحدد بوقت معين كما انه لا يقتصر على اداء واجبات محددة، فبالإضافة الى المهمة الرسمية في الحفاظ على المدرسة ومعداتها والحفاظ على بنات المدرسة نقوم بمهمات اخرى كثيرة ايضا».

ويضيف «كل طالبات ومدرسات المدرسة بناتي واخواتي وعلي الدفاع عنهن فهن امانة في رقبتي، واكثر ما يضايقني التأخير عن الحضور فهو يختلف من يوم إلى آخر حسب وقت حضور أولياء أمور الطالبات وانا اكثر حرصا على الا تفوت احداهن حصتها». والحال نفسه ينطبق على مئات بل آلاف حراس مدارس البنات في السعودية من شرقها الى غربها ومن جنوبها الى شمالها، فيقول صلاح مفلح السلمي وهو حارس المدرسة الخامسة بجدة «اعمل في هذه المهنة منذ خمسة عشر عاما واسكن في سكن خصص لي داخل المدرسة ومهمتي لا تقتصر على الحراسة والجلوس في غرفتي الصغيرة بجانب المدرسة لأراقب الداخل والخارج طيلة فترة الدوام الرسمي للمدرسة فقط كما يتوقع الناس او كما هو موكل لي، بل انني اقوم بأعمال اخرى. ويمضي السلمي واصفا جدوله اليومي: «يبدأ عملي عند الرابعة فجرا من خلال فتح المدرسة وإضاءتها واخذ جولة فيها ومن ثم يبدأ استقبال وتنظيم حركة السيارات اثناء دخول الطالبات وبعد السابعة والنصف موعد اغلاق الباب أبدأ مهمة اخرى في تلقي اعذار اهالي الطالبات المتاخرات وربطها بالمديرة مباشرة والتوسط احيانا والرد والرفض عن المديرة احيانا اخرى».

ويضيف «عندما تحين الثامنة والنصف صباحا اقوم بعمل المراسل والسائق، فأقوم بنقل البريد المدرسي اليومي إلى مركز الإشراف التربوي وإلى إدارة التربية والتعليم، وأنظم دخول شركات الاغذية واستقبال بعض اولياء امور الطالبات المستأذنات». وعلى الرغم من المهام والمسؤوليات الملقاة على عاتقهم، إلا أن ما يتقاضاه حراس المدرسة لا يوازي ساعات العمل التي يؤدونها أو نوع الاعمال التي يقومون بها، إضافة الى تصنيفهم على مرتبة وظيفية دون المستحقة ولا تتغير ابدا، فالكثير منهم لايزال على مراتب متدنية، والبعض منهم لم يحصل على حق الترسيم الحكومي، ولايزال على بند الأجور للعمال والمستخدمين وتكلفهم تلك المعيشة ما لا يستطيعون. يقول السلمي «ابلغتنا الوزارة هذا العام ان من سيبلغ الستين من العمر سيحال للتقاعد، المشكلة ان من يتقاعد يغادر السكن ورواتبنا ضعيفة ولا تقارن بمتطلبات الحياة، كنت اعمل براتب 1800 ريال، وبعد خدمة مستمرة لخمسة عشر عاما وصل الان راتبي الى 3 الاف ريال، فكم سيصبح بعد التقاعد؟» ويتابع، «نلقى الكثير من الإجحاف بسبب المسؤولية الملقاة علينا، إذ يعتبر الحارس هو المسؤول الأول عن أي حادثة في المدرسة أو فقدان أي شيء من العهد المدرسية، كما ان حراس المدارس لا يتمتعون بالإجازة كباقي الموظفين، فالحارس مرتبط بالمدرسة ارتباطا كليا، لا يمكنه التمتع بطعم الراحة من العمل أو متابعة أموره الخاصة في الدوائر الحكومية ومراجعتها، مما يفقد الحارس أقل حقوقه في الحياة».