كتاب يعيد اكتشاف حمامات الإسكندرية

عددها تجاوز 4000 ومن أشهرها حمامات كليوباترا

حمامات كليوباترا («الشرق الأوسط»)
TT

يعيد هذا الكتاب اكتشاف حمامات الإسكندرية الشعبية التي طواها الزمن منذ مئات السنين. ويكشف الكتاب الذي حمل عنوان «حمامات الإسكندرية ـ في القرنين التاسع والعشرين» لمؤلفه الباحث محمد علي عبد الحفيظ، الملابسات التاريخية والأنماط العمرانية لتلك الحمامات، مشيرا إلى أن المدينة عرفت الحمامات العامة لأول مرة، على يد مؤسسها الإسكندر الأكبر منذ نشأتها سنة 331 ق.م، واستمر وجودها خلال العصور التالية «الهلينستية» و«الرومانية» ومن أبرزها حمامات كليوباترا الشهيرة، وبقيت أطلالها إلى الآن في منطقة «كوم الدكة» وحول المسرح الروماني. وذكر المؤلف أن إنشاء الحمامات ارتبط بتدشين شبكة ضخمة لتوزيع المياه، حتى قيل إن العرب لما دخلوا المدينة بعد فتح عمرو بن العاص للقاهرة، كان بالإسكندرية أكثر من 4000 حمام. وبذل المؤلف جهدا ملحوظا لإتمام الكتاب، واعتمد على مجموعة من وثائق وسجلات محكمة الإسكندرية الشرعية، وكذلك سجلات ووثائق المجلس البلدي المحفوظة بدار الوثائق القومية، بالإضافة إلى مجموعة من الخرائط التاريخية لمدينة الإسكندرية. وبحسب المؤلف، فإن الحمامات لعبت دوراً بارزاً في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية للمدينة في العصور الإسلامية، إلا أنها بدأت في الاندثار تدريجيا مع خفوت شعاع المدينة الحضاري، وتقلص دورها مقارنة بالقاهرة العاصمة الجديدة، حتى ان عددها في أواخر العصر العثماني، لم يتعد أصابع اليد الواحدة طبقا لتقدير «جرتيان لوبير» أحد علماء الحملة الفرنسية، التي احتلت مصر عام 1798. وعلى العكس من ذلك، أدى نمو المدينة في القرن التاسع عشر وزيادة سكانها ورقعتها المعمارية، إلى زيادة عدد الحمامات العامة بشكل ملحوظ، ولكنها ارتبطت فقط بمناطق الإعمار الجديدة في وسط المدينة. وبرغم ذلك لم تنتشر الحمامات في المنطقة المأهولة بالسكان، التي عرفت باسم المدينة التركية (حي الجمرك حالياً)، ويرجع البعض السبب إلى صعوبة تغذية تلك المناطق بالمياه في ذلك الوقت، كما خلت منطقة الرمل الشهيرة من وجود حمامات عامة، باستثناء ما يعرف بحمامات البحر، التي استخدمتها الجاليات الأجنبية كشكل من أشكال الترفيه.

الكتاب صدر عن مركز دراسات الإسكندرية، وحضارة البحر المتوسط التابع لمكتبة الإسكندرية. وقدم له الدكتور إسماعيل سراج الدين أمين المكتبة، مشيرا إلى أهميته في الحفاظ على الهوية الثقافية والتراثية للإسكندرية.

ويوضح المؤلف أن الحمام لم يكن فقط، مكانا للتطهر والاستحمام والتجميل والزينة، بل أصبح بمرور الوقت بمثابة منتدى اجتماعي واقتصادي وسياسي متكامل للرجال والنساء، حيث كان لكل منهما حماماته الخاصة، وكان أيضا مؤسسة صحية لها دورها في نظافة الحي، فكان يتم تجميع قمامة الحي لاستخدامها كوقود لتسخين مياه الحمام.

على مستوى الشكل يبين الكتاب أن حمامات الاسكندرية، لم تختلف في تكوينها العام وأقسامها الداخلية عن بقية الحمامات في مصر، فكانت تشتمل عادة على مدخل ضيق لمنع دخول تيارات الهواء إلي داخل الحمام فتؤذي رواده، ويؤدي هذا المدخل إلى دهليز منكسر، في نهايته يوجد القسم الأول من أقسام الحمام: وهو «المسلخ» الذي يضم أماكن لخلع الملابس وأماكن لجلوس «المستحمين» ومكاناً لجلوس معلم الحمام، ويلي المسلخ القسم الأوسط من الحمام ويعرف باسم «بيت أول» وحرارته متوسطة ومعتدلة، وغالباً ما يحتوي على دورات مياه التي قد يلحق بها خلوة للأدوية.

أما القسم الثالث من الحمام فيعرف باسم «بيت حرارة ثاني» أو«الحجرة الساخنة» وهو أشد أجزاء الحمام حرارة وبخاراً، وفي وسطه «فسقية» تفور بالماء الساخن، ويشتمل بيت الحرارة عادة على أربعة إيوانات متعامدة، كما توجد في زواياه مجموعة من الخلوات بداخلها «مغاطس» تستخدم في الاستحمام، بالإضافة إلى أحواض للماء الساخن والبارد. ثم يأتي «المستوقد» وهو المكان الذي يتم فيه تسخين المياه، ويقع خلف «بيت الحرارة»، وهو عبارة عن كتلة بنائية يتم الدخول إليها من باب خاص. يرصد الكتاب حمامات الإسكندرية منذ إنشاء المدينة حتى أواخر القرن الثامن عشر، ويصنفها بـ: حمامات تقليدية وغير تقليدية، وحمامات البحر، وحمامات العسكر، وحمامات على الطراز الحديث، تعتمد على المياه الجارية، كما يرصد أنماط الثقافة التي أفرزتها تلك الحمامات بخاصة في الوجدان الشعبي البسيط لأهالي المدينة. ويتناول الكتاب طائفة «الحمامية» (أصحاب الحمامات) بالإسكندرية، وظاهرة الاستثمار في الحمامات وأسباب تراجع دورها في أواخر القرن التاسع عشر. وقد ذيل المؤلف الكتاب بملاحق خاصة، تضم نصوصا وثائقية عن الحمامات، منها نماذج لرخص تشغيلها، وأمثال وأشعار عنها، فضلاً عن خرائط لحمامات الاسكندرية المندثرة والمتبقية.