جزر بيئية بتصاميم «فضائية» للهاربين من ضجيج المدن والفيضانات

تتسع كل واحدة منها إلى 50 ألف مواطن

صورة لهونغ كونغ وأمامها جبهة التسونامي («الشرق الأوسط»)
TT

تعتبر مدينة فرانكفورت الألمانية عاصمة رأس المال الأوروبي بلا منازع ويسميها البعض بمانهاتن الراين بالنظر للأبراج العالية التي بنتها البنوك الأوروبية هناك، إلا أن سكان مدينة فرانكفورت بدأوا بالهروب من قلب المدينة إلى المدن الصغيرة المجاورة هربا من الضجيج وتلوث البيئة وحقائب السامسونايت، ولم يبق حاليا أكثر من 600 ألف من سكانها.

وطبيعي لا تمكن مقارنة ما يحدث في فرانكفورت مع ما يحدث في المدن العالمية العملاقة مثل نيويورك وطوكيو وشنغهاي وهونغ كونغ ومكسيكو واسطنبول والقاهرة وطهران. وتبحث هذه المدن منذ زمن عن حل لمشاكل السكن والمرور وتلوث البيئة والضجيج بلا جدوى. وفي حين تحاول بعض المدن، مثل موسكو، بناء شوارعها على سقوف المباني، تجرب مدن أخرى، مثل كولون(ألمانيا) طريقة المركز الخالي من السيارات لحل مشكلة تلوث البيئة.

ويقدم المهندس البلجيكي فنسنت كاليبو، يساعده مهندسون آخرون من أمثال ارمود مارتينيز و ماجي ديلريو، نموذجا جديدا لمدن المستقبل البيئية من خلال تصاميم «فضائية» تحول مدينة ضاجة مثل هونغ كونغ إلى واحة خضراء، وتنشيء للهاربين من الضجيج وتلوث البيئة والفيضانات ملاذا بيئيا جميلا وسط غابات ناطحات السحاب. وتبدو الصور التي وزعها مكتب كاليبو الهندسي للمدن المقترحة مثل صحون فضائية من عالم بعيد حطت لتوها على الأرض من مسافة ملايين السنين الضوئية.

إلا أن المتمعن في الصور يجد، وهو ما يؤكده كاليبو نفسه، أن الصور مستمدة من أشكال النباتات الاستوائية الكبيرة الأوراق التي تطفو على سطوح المستنقعات، وهي تصاميم تذكر بالحياة البيئية للأرض قبل الثورة التقنية وتلوث البيئة، كما تذكر بالأجواء الإستوائية والشمس المشرقة والبيئة الخضراء، والمهم أيضا أنها متحركة، تلاحق الشمس اينما كانت مثل عباد الشمس، وليست بحاجة إلى موانئ ومطارات كبيرة.

ويقول كاليبو إن بعض هذه الواحات، وخصوصا العائمة منها، يمكن أن تنقذ أرواح ملايين البشر مستقبلا إذا ما حدث الطوفان. ويستشهد أيضا بتقرير الهيئة الدولية للرقابة على التغيرات المناخية (IPCC) ان الماء على سطح الأرض سيرتفع بمقدار 88 سم مع حلول نهاية القرن الجاري، ويعني هذا الارتفاع غرق مدن كبيرة تقع على مستوى البحر أو تحت مستواه مثل كوكيو ونيويورك ولندن، ويمكن للمدن الطافية التي تنقذ اليوم، حسب مشروع كاليبو، أن تنقذ في الغد أرواح الملايين.

ويجمع كاليبو في مقترحه بين المدن البيئية المستقبلية و«سفينة» نوح التي أنقذت البشرية من الطوفان. ويطلق على مدنه العائمة اسم «المدن النباتية الطافية» تيمنا بالنباتات الاستوائية الطائفة على المياه. وتتسع كل واحدة من هذه المدن إلى 50 ألف مواطن يستمدون الطاقة من مصادرها الطبيعية، يتغذون على نباتات تمت زراعتها بلا أسمدة، ويستخدمون وسائط النقل التي لا تلوث الجو بذرات السخام وثاني أكسيد الكربون وغاز الميثان.

وحسب تصور المهندسين فإن من الممكن بناء هذه المدن في الخلجان أو مصبات الأنهار الكبيرة ومن ثم دفعها، كما هي الحال في السفن الكبيرة، إلى مياه البحر والمحيطات. ويعيش الناس في هذه الجزر في انسجام تام مع البيئة التي يعيشون فيها وعليها (البحر). ويقول كاليبو إن المدن مزودة بأنظمة طوارئ ضد العواصف البحرية والكوارث الأخرى، بما فيها الاصطدام مع بعضها أو بالصخور، إلا أنه لم يكشف تفاصيل ذلك. ويضيف: «تخصص الدول مليارات الدولارات لحماية البيئة وحل مشاكل السكن والنقل والطرقات، في حين أن توظيف المال في «المدن الطافية» أرخص وأرفأ بالبيئة».

وسبق لكاليبو وزملائه أن درسوا موجات البحر الهائلة (التسونامي) التي تضرب جنوب شرق آسيا بين فترة وأخرى واقترحوا حلا عمليا وقائيا لها. واعتبر كاليبو سواحل هونغ كونغ والصين «جبهة» المواجهة مع التسونامي واقترح مد أرضية من الخلايا المجوفة والأقنية على طول الساحل تتولى امتصاص موجات المياه، تسريبها حول المدن، وتمريرها في قنوات تحت أو فوق الأرض. كما يقيم كاليبو على سواحل جبهة التسونامي عمارات بيئية شاهقة ومجوفة تقام على نظام من الأقنية الملتفة، تستخدم للزراعة، وتمتص مياه الموجات العالية بطريقة الأواني المستطرقة. واعتبر كاليبو مقترح جبهة التسونامي والمدن الطافية أفضل الحلول لمدينة مزدحمة مثل هونغ كونغ ترتفع فيها الكثافة السكانية إلى 30 ألف/ كم المربع الواحد.