في بيتنا طالب ثانوي

مع بدء اختبارات الدور الثاني عناء الأسر السعودية يتكرر

يتسابق أكثر من 280 ألف طالب وطالبة للحصول على مقعد دراسي في الجامعة («الشرق الاوسط»)
TT

لم يتمكن السعودي عبد العزيز من اصطحاب عائلته لقضاء إجازة الصيف، فالعائلة أعلنت منذ مطلع الشهر الجاري حالة الاستنفار القصوى، لأن ابنته التي أنهت المرحلة الثانوية تنتظر التسجيل في الجامعات السعودية.

يقول عبد العزيز «لا أريد لابنتي أن تخسر فرصتها في التعليم، ولذلك فعلى الأسرة المكونة من سبعة أفراد أن تتضامن معها في معركة البحث عن مقعد جامعي».

ومع إطلالة موسم الصيف، تتخفف الأسر السعودية من التزاماتها الاجتماعية، لتوجه بوصلتها نحو المصائف في الخارج والداخل، وحدها الأسر التي تضم شباباً أو فتيات أنهوا مرحلتهم الثانوية، يتسمرون تحت لهيب الصيف، بحثاً عن مقعد جامعي لأبنائهم، وسط قلق يستبد بالعائلة التي يتعين عليها الانتظار طوال الصيف قبل أن يتقرر مصير أولادهم.

ويتسابق أكثر من 280 ألف طالب وطالبة للحصول على مقعد دراسي، وسط إستراتيجية قادها التعليم العالي السعودي لتحسين ظروف التسجيل، ورفع الطاقة الاستيعابية للطلاب المقبولين، تم خلالها صرف أكثر من خمسة مليارات ريال لتوسيع البنية التحتية للتعليم العالي لتصبح منظومة الجامعات الحكومية تشمل جميع المناطق السعودية، بحيث ارتفع عدد الجامعات السعودية من 8 قبل أربع سنوات إلى 20 جامعة، مع وجود 3 جامعات و17 كلية أهلية.

وجاء برنامج طموح أسسه الملك عبد الله بن عبد العزيز للابتعاث الخارجي والذي يستهدف ابتعاث أكثر من 25 ألف طالب وطالبة بمراحله الخمس، لدراسة التخصصات العلمية في جامعات عالمية مرموقة، ليعطي التعليم العالي السعودي ميزة تنافسية، تجعله مستعداً لتوفير آلاف الكوادر المؤهلة علمياً من جامعات عالمية، لقيادة خطط التنمية الطموحة التي تشهدها البلاد، كذلك فإن البرنامج يعيد إنتشار الوجود السعودي في العالم بعد إنحساره منذ العام 2001.

وتحسن أداء الجامعات المحلية، في قبول الطلبة، حيث ساهم التسجيل الإليكتروني الذي اعتمدته عدد من الجامعات في توفير الجهد على الشباب والفتيات الذين اعتادوا على حمل ملفاتهم ليذرعوا البلاد طولاً وعرضاً للبحث عن قبول يقيهم العوز الجامعي.

وأمام توفر فرص التعليم، يدخل الطلاب والطالبات في سباق مع الزمن لاختيار التخصصات المناسبة، وتجد الفتيات منافسة أكبر من الشباب، فعشرات الطالبات المتفوقات اللاتي حصلن على معدلات قياسية لم يظفرن العام الماضي بمجرد مقعد في أي من الجامعات التي تبدأ المفاضلة عند حاجز الـ96 بالمائة، مما يرغم آلاف الطالبات اللاتي لا يجدن ملاذاً آخر في التعليم الفني والتدريب المهني أو الكليات التقنية لأن يصبحن حبيسات منازلهن.

(فاطمة) التي اضطرت مع أختها لاستبدال التخصص الذي طالما حلمت به وهو الطب، إلى تخصص آخر هو (الحاسب الآلي) تجلس اليوم في منزلها بعد ثلاث سنوات من تخرجها دون أن تجد فرصة للعمل، وتقول «كان معدلي يفوق الـ98 بالمائة، ولم يشفع لي لدخول كلية الطب، قبل ثماني سنوات، في الحقيقة لقد ساهمت عشوائية التسجيل والقبول في ذلك الوقت، وخاصة أثناء المقابلة الشخصية في حرماني من الحلم الذي أحمله وهو دراسة الطب». لكن الكثير من الجامعات اليوم تعتمد التسجيل الإليكتروني للحد مما يعتبره الطلاب (مزاجية) الموظفين، ولتحقيق قدر أكبر من (الجدارة). كما أن غياب الإرشاد الأكاديمي يجعل الشباب حديثي الخبرة، عرضة للتشتت والضياع في اختيار التخصصات التي تناسب حاجات سوق العمل ضمن خطط التنمية. ويقول أحد الطلاب، «لم يعد هناك وقت للفراغ، دخلنا خلال العام الدراسي في اختبارات لتحديد القدرات (القياس)، ثم انخرطنا في امتحانات نهاية العام، وبعده على الفور أجرينا الاختبارات التحصيلية، والآن نبحر عبر الشبكات لإيجاد جامعة يمكننا الانضمام لها».

ولا يحصل الطالب على التخصص الذي يطمح إليه بالضرورة، لكن وفرة العروض لا تشي بحقيقة الفرص التعليمية، فالكثير من الجامعات توفر مقاعد لحملة الامتياز دون غيرهم، أما الطلاب الأقل حظاً فعليهم النزوح نحو خيارات أقل إغراءً. ويجتهد رجال التعليم السعوديون لإقناع طلابهم بأن النسبة المثالية للاستيعاب الجامعي هي 50 بالمائة فقط من خريجي التعليم العام، وعلى النسبة الباقية التوجه نحو الأكاديميات التقنية، والكليات التطبيقية، والمعاهد الفنية، لسدّ احتياجات السوق السعودي من العمالة الماهرة.

وفي الاسبوع الماضي وزير التعليم العالي الدكتور خالد العنقري من المجتمع إبداء رأيه في توجه الوزارة بقبول 86 بالمائة من خريجي الثانوية العامة في الجامعات هذا العام، وعما إذا كان ذلك يخدم برامج التنمية في البلاد. وقال الوزير: «إن الوزارة تواجه كل عام ضغوطات اجتماعية وإعلامية بقبول كافة الخريجين، وهذا يخالف المعايير العالمية التي تقبل 50 بالمائة كحد أعلى، في حين يتوجه البقية إلى المعاهد المتخصصة في مجالات يحتاجها سوق العمل».

وخلال فترة الصيف، تجد أسر الطلاب والطالبات الباحثين عن التعليم الجامعي نفسها في سباق محموم للبحث والتنقيب عن فرصة تعليمية لأبنائها، ويقول أحد الآباء «ما دامت نتيجة الثانوية العامة لا تمثل غالباً سوى 20 بالمائة فقط من تقييم القبول خاصة بعد توزيع النسبة على نتائج اختبارات القياس والاختبار التحصيلي، فلماذا لا يتم التقديم للسنة الجامعية منذ منتصف العام الدراسي، لتخفيف الضغط على الطلاب وعائلاتهم».

ويدخل اليوم (السبت) الطلاب المكملون لأداء اختبار الدور الثاني، بيد أن طلاب المرحلة الثانوية عادة ما يفقدون فرصاً يطمحون لها في التعليم الجامعي بسبب المفاضلة التي تدفع الكليات المنتخبة لاستبعاد الطلاب الذين تحمل شهاداتهم عبارة «الدور الثاني»، الأمر الذي يدفع بالطلاب لدعوة الوزارة إلى مراعاة هذه الشريحة كون بعضها خسر أداء امتحان الدور الأول بسبب عذر طبي أو مبرر مشروع.

في لقاء مع الصحافيين، حضرته «الشرق الأوسط» أوضح مدير جامعة الملك فيصل الدكتور يوسف الجندان، الجامعة التي يعول عليها آلاف الطلاب لدراسة الطب، أن الجامعة «لا تستطيع التوسع في القبول في التخصصات الصحية رغم حاجة البلد لها بسبب قلة المستشفيات التي يتم فيها تدريب الطلاب خاصة طلاب كلية الطب»، وقال إن الجامعة تستهدف هذا العام قبول 1166 طالبا وطالبة في التخصصات الصحية.

كذلك فإن حصة السعودية من الاستثمار الأجنبي في قطاع التعليم العالي ما زالت معدومة، قياساً للدول المجاورة، حيث بلغ عدد الجامعات الخاصة في البحرين 15 جامعة وكلية، وهناك نمو في أعداد الجامعات الأجنبية في الإمارات العربية المتحدة، وقطر، والأردن، ويقصدها مئات الطلاب السعوديين.