شمعون مونس.. اجتاز لبنان سيرا على الأقدام

حقيبته منزل متنقل.. وحلمه يصل إلى سور الصين العظيم

شمعون مونس يقود فريقه في الطرق الجبلية («الشرق الاوسط»)
TT

«حقيبتي هي منزلي المتنقل»، جملة يفاتحك بها اللبناني شمعون مونس وهو يشير الى فراش وموقد غاز صغير وبعض الثياب، إضافة الى عدة المشي من حبال ومنجل وحذاء خاص. اما حاجته الى هذا المنزل المتنقل فسببها اشباع هوايته التي لأجلها أسس نادي «طرق لبنان للقدم الخفية»، ولأجلها جاب كل المناطق اللبنانية سيرا على القدمين.

علاقة مونس بالطبيعة ولدت معه في مسقط رأسه قرية الشبانية في قضاء عاليه، التي تمتاز بغاباتها وأشجارها المعمرة وطبيعتها الخضراء الخلابة. منها بدأ مشواره، وفيها نمت لديه هواية المشي فاتخذ من الطبيعة مسرحا وبوابة للعبور الى العزلة والتأمل، ومصدرا للراحة النفسية.

هذا المشوار لوّن طفولته. وفي الثالثة عشرة غلبه حب الاستطلاع فخرج لاكتشاف ضيعته سيرا على القدمين. ثم وسع نطاق استكشافاته لتشمل القرى المجاورة في المرحلة الاولى. بعد ذلك قرر اجتياز كل قرى لبنان والأحراج والغابات من الشمال الى الجنوب والبقاع، الى الشرق والغرب، وذلك مشيا. واكتشف خلال رحلته بعض المعابد والأديرة الأثرية وأصبح على معرفة بطبيعة لبنان من وديان وجبال ومنحدرات.

مونس الحامل شهادة جامعية في علم الاجتماع والإنسان، لا يكتفي عندما يقوم برحلاته الاستكشافية بأسرار الطبيعة، هدفه التعرف على عادات اللبنانيين من جميع الطوائف وفي جميع المناطق وعلى تقاليدهم. يقول: «لم أصدق أبدا ما يقال عن انقسامات اللبنانيين. لذا قررت اكتشاف ذلك بنفسي وبمفردي. فقمت برحلتي حاملا بيتي على ظهري. وقررت اجتياز لبنان سيرا، وذلك من شماله الى جنوبه ومن بقاعه الى شرقه وغربه».

ويضيف: «اخترت الطرق الداخلية الضيقة بين القرى والمناطق الجبلية، والتي تمتد داخل الطبيعة. كما ابتعدت قدر المستطاع عن الطرق المعبدة التي تسلكها السيارات. كل المناطق التي جبتها جميلة. والاهم طريقة استقبال أهلها لي. فخلال مغامرتي لم آخذ معي أي طعام أو مال، كنت أقطع كل يوم مسافة معينة وأحط رحالي في أحدى القرى، فأدق باب أحد البيوت، أفسر لهم ما أقوم به فيستقبلوني فى منزلهم ويستبقوني الى مائدة الطعام». ولا يغيب باله في أي لحظة هوسه بالطبيعة فيسدي النصائح لسكان البلدات التي يمر عليها بأن يحافظوا على تراثهم وأشجارهم التي تأكلها الكسارات وهمجية التمدن.

خلال مشواره مر مونس بقرية الباروك المشهورة بأرزها حيث أهدته البلدية أرزة حملت اسمه، غرسها في «محمية أرز الباروك». لا يستطيع وصف الشعور الذي راوده. يقول: «ان تكريمي بالأرزة هو أغلى شيء لدي في العالم فهي رمز بلادي، انه فعلا شعور لا يوصف». يتابع: «أعطتني هذه التجربة دفعا معنويا. ازداد حبي للبنان وتعلقي به. كذلك زال خوفي من الأخر وأصبحت اثق بمستقبل أفضل لوطننا. فالبيت اللبناني لا يزال هو هو». قبل هذه الرحلة، كان حلم مونس قد بدأ ينضج، فقرر تأسيس جمعية للمشي عندما كان في السادسة عشرة. جمع بعض الأصدقاء ومحبي المشي ودعاهم الى الطبيعة ليكتشفوا بعض القرى اللبنانية وأحراجها. وتحوّل الحلم حقيقة وافتتح نادي «طرق لبنان للقدم الخفية» في سن الثامنة عشرة.

تسمية النادي «استعارها» مونس من الطرق التي كان يسلكها الأجداد فـ«القدم الخفية» هي قدم الأجداد التي عبرت الدروب العتيقة. وهذه الدروب تحوّلت مع الوقت الى ضحية للتمدن ولم تعد موطئا لأقدام الأجيال الجديدة. يقول: «يضم النادي اشخاصا تتراوح أعمارهم بين السادسة عشرة والثمانين. رحلاتهم تعيد احياء هذه الطرق. قبل البدء بأي رحلة أقوم بجولة استطلاعية، وأمهد الطرق للفريق الذي سيرافقني ليتمكن من السير بسهولة في دروب خالية من الخطر. مثلا وفي إحدى المرات اضطررت لمد جسر خشبي كمعبر فوق نهر ليجتازه المرافقون». ويضيف: «قبل الانطلاق أضع وصايا معينة وألزم المشاركين بتطبيقها، وهي في غالبيتها نصائح صحية كالاكتفاء بوجبة واحدة خفيفة في الصباح الباكر قبل البدء بالسير». ينظم النادي رحلات عند نهاية كل أسبوع تمتد من خمس الى ست ساعات. فيتعرف المشاركون على هذه الأرض ويبحثون عن أفضل الوسائل للمحافظة على ثروتها الطبيعية ويبتعدون عن البيئة الملوثة والزفت والباطون. الى جانب ذلك يساهمون في تشجير الأحراج. فيحمل كل شخص غرسة يزرعها. كما تساهم المجموعة في تنظيف الأراضي التي تسلكها الرحلة، فيكون بيد كل شخص حقيبة صغيرة ليضع فيها النفايات التي تعترضه. لم يتوقف مونس عند انجازه الأخير فلديه مشاريع مستقبلية منها ما هو محلي ومنها ما هو خارجي. فهو يدرس الطرق التي سلكتها شعوب استقرت في لبنان على امتداد التاريخ. يستعين بأساتذة علوم الجيولوجيا لتسهيل عمله، يتحدث عن هذا المشروع، فيقول: «هدفي من خلال هذا البحث اعادة احياء هذه الطرق. ويمكن تصوير هذه المغامرة ومن ثم بثها عبر احدى القنوات التلفزيونية».

اما بالنسبة الى المشاريع الخارجية فيقول: «أقوم أخطط لاجتياز سور الصين، علما بأنني قمت بجولات في العديد من الدول مثل أميركا وبلجيكا واليونان وايطاليا وغيرها».