«إعلان اسطنبول» يسلط الضوء على تفاقم مشكلة تجارة الأعضاء

السماسرة يتقاضون أرباحاً ضخمة من «سوق سوداء» ضحيتها أبناء العالم الثالث

جانب من عملية نقل كبد («الشرق الأوسط»)
TT

«إعلان اسطنبول» حول التجارة بالأعضاء البشرية، الصادر عن القمة الدولية التي جمعت أخيراً 150 مسؤولاً وخبيراً من القطاعات الصحية والبحثية والقانونية والعلاقات الأخلاقية القانونية من 78 دولة، بينها الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا والصين والهند، سلّط الضوء على مشكلة إنسانية خطيرة قلّما تنبه المجتمع الدولي إلى أبعادها. فهذا النوع من «التجارة» بات يؤثر سلباً على جهود الدول الفقيرة والنامية في وضع حلول مجدية لعلاج مرضاها، كما أنه يستهدف أصلاً أضعف فئات المجتمع كالأميين والفقراء والمهاجرين غير الشرعيين والسجناء الذين يسقطون ضحية سهلة للسماسرة و«مافيات» تجارة الأعضاء، مما أدى إلى تعرضها لإدانات متكرّرة من «منظمة الصحة العالمية» عبر السنين. غير أن هذه المشكلة تفاقمت خلال السنوات الأخيرة مع تطوّر تقنية الاتصالات ودخول جماعات منظّمة على الخط لتسهيل ما بات يعرف بـ«سياحة زراعة الأعضاء» فحوّلت هذا المجال إلى ما يشبه «سوقاً سوداء» حقيقية. ومما هو مسجّل لدى الدوائر المتابعة أن ما يتقاضاه السمسار لتسهيل صفقة الزرع الواحدة من المرضى الأثرياء «المشترين» يتراوح بين الـ50 والـ100 دولار أميركي بينما لا يحصل «البائع» الفقير أو الأمي إلا على نحو 500 دولار إلى ألف دولار ثمناً لكليته السليمة المباعة. أضف إلى ذلك، تفيد الإحصائيات الدولية المعتمدة أنه تُجرى سنوياً على مستوى العالم في مجال زراعة الكلى وحده نحو 70 ألف عملية، يقدّر أن 10 % منها يتعلق بكلى مُتاجر بها على هذه الصورة البشعة. كما أنه وفقاً لإحصاء مأخوذ عام 2006 في باكستان، استفاد أجانب من الدول الثرية من أكثر من ثلثي عمليات زرع الكلى في البلاد. ومما يشار إليه هنا أن «الجمعية العالمية لأمراض الكلى» ISN و«جمعية زراعة الأعضاء» TTS تبنّتا «إعلان اسطنبول»، وأن اللجنة التسييريّة العليا، التي أصدرت «الإعلان» والتي ضمّت 32 عضواً، شاركت فيها المملكة العربية السعودية ممثّلة بالدكتور فيصل بن عبد الرحيم شاهين مدير عام المركز السعودي لزراعة الأعضاء. أما على صعيد «جغرافيا» تجارة الأعضاء، فتتصدّر الصين والهند وباكستان ومصر والبرازيل والفلبين ومولدوفا ورومانيا ما يمكن تسميته «الدول المورّدة» للأعضاء المتاجر بها التي يقصدها مشترو الأعضاء عندما يتعذر عليهم الحصول عليها في بلدانهم. وقد شاركت كل هذه الدول باستثناء رومانيا في قمة اسطنبول التي صدر عنها «الإعلان». أما أبرز الدول التي يأتي منها «المشترون» فهي الولايات المتحدة ودول اوروبا الغربية والشمالية وإسرائيل وبعض دول الخليج. وكان من أولى وأبرز الحوادث التي نبّهت إلى ما يحصل في دهاليز تجارة الأعضاء، ولا سيما الكلى، اكتشاف عيادة في مدينة دوربان بجنوب افريقيا تخصصت بتلقّي كلى من بائعين برازيليين فقراء تمهيداً لإرسالها إلى إسرائيل. وللعلم، في موضوع الكلى بالذات، أشارت مصادر إلى أنه عام 2004 كان يوجد في اوروبا وحدها نحو 120 ألف مريض يجرون عمليات غسل كلى وأن نحو 40 ألف مريض على قوائم انتظار إجراء عمليات زرع لهم. وأن قوائم الانتظار هذه التي كانت عام 2004 تقدر بحوالي ثلاث سنوات قد تصل إلى عشر سنوات بحلول العام 2010، أي بعد سنتين. وهذا يعني ارتفاعاً مرتقباً في معدل الوفيات بسبب النقص الحاصل، الذي يشجع بطبيعة الحال مثل هذه «التجارة». من ناحية أخرى، بسبب الممانعة الواسعة النطاق، ذات خلفيات دينية أو ثقافية أو شخصية بالأخص في دول آسيا وافريقيا وأميركا اللاتينية، بالاستفادة من زرع أعضاء مأخوذة من متوفّين تأتي غالبية الكلى المزروعة من أحياء. وحتى في الولايات المتحدة، لأول مرة منذ 2001، يزيد الآن عدد الأعضاء المزروعة المأخوذة من أحياء عن عدد تلك التي تبرع بها متوفّون.