مباراة الأهلي والزمالك.. «وجع قلب» يعشقه المصريون

البعض يراها انعكاسا للوضع السياسي والاجتماعي

التعصب الكروي يزداد دوماً وقت انحسار الاحزاب السياسية (رويترز)
TT

الأهلي والزمالك.. ناديان يصنعان البهجة، ومبارياتهما معاً.. أغنية جميلة تاريخية يعيشها الوطن.. منذ إنشاء الناديين مطلع القرن الماضي، وبينما يعتقد البعض أنها مؤامرة على الناس بهدف صرفهم عن قضاياهم، يراها آخرون مجرد مباراة في كرة القدم. المصريون على موعد مساء اليوم الأحد.. مع «وجع القلب».. إنه يوم حرق الأعصاب حين يلتقي الأهلي بزيه الأحمر، مع الزمالك بلباسه الأبيض في قمة كروية لكنها أفريقية.. وعقب المباراة، إما أن ترتدي القاهرة والمدن الكبرى في مصر اللون الأحمر أو اللون الأبيض حسب نتيجة اللقاء.. وبالقطع سيتحول مقر أحد الناديين إلى مكان تسكنه الأشباح وتحرسه الشرطة تحسباً لاعتداء مشجعيه على الإدارة، بينما يتحول مقر النادي الآخر إلى كرنفال أفراح وورود.

أحمد فرغلي 55 عاما، صاحب كشك المثلجات القريب من النادي الأهلي بوسط القاهرة يقابلنا وهو يرفع زجاجة مياه غازية إلى أعلى ويلوح بها في الهواء قائلاً: «أنا أشجع الأهلي منذ أن كنت في حجم هذه الزجاجة، في إشارة إلى أنه يشجع ناديه منذ نعومة أظفاره».

حمدي «وردة» كبير مشجعي الزمالك في منطقة كفر طهرمس غرب القاهرة، اعتاد في السنوات الأخيرة العودة إلى منزله بعد المباراة فاقداً للوعي بسبب هزائم الزمالك، غير أن «وردة» يبدو متفائلاً هذه المرة بعد تعاقد ناديه مع مجموعة جديدة من اللاعبين، لكنه يستدرك قائلاً: «مباراة الأهلي والزمالك مثل البطيخة.. من الصعب معرفة النتيجة قبل فتحها.. أقصد قبل انتهاء المباراة».

الأمن من جانبه يتعامل مع يوم المباراة باعتباره يوما استثنائيا، حيث تستنفر وزارة الداخلية جنودها لتأمين الجماهير وتحدد مسارات مرورية للسيارات تستمر حتى انتهاء الحدث الرياضي.

المقاهي هي الأخرى تستعد للقاء أكبر ناديين في البلاد بوضع أجهزة تلفزيون ضخمة في قاعات مكيفة ومزدانة بالأعلام الحمراء والبيضاء، بينما يتولى أفراد شرطة سريين تأمين المكان تحسباً لصدام بين الخاسرين والمنتصرين.

أما في المنازل فالمشاعر متباينة كون أفراد كل الأسر تتباين ولاءاتهم بين الفريقين، الزوج زملكاوي لكن زوجته أهلوية.. شجار ما بعد المباراة محتمل وقد يفضي إلى المأذون.. بينما تنحصر ملابس الأطفال في القمصان أما الحمراء أو البيضاء.. حالة استنفار تعيشها الأسرة المصرية.

الأحداث التي عاشتها القاهرة أخيرا في قضايا انتقال اللاعبين من أندية إلى أخرى، إضافة إلى الصراع التقليدي بين الفريقين القاهريين اللذين يحظيان بشعبية كبيرة عربيا وأفريقيا، زادت الصراع بينهما التهاباً.

احتقان سياسي ذو أبعاد دينية واجتماعية.. احتقان رياضي يعكس انتماءات المجتمع وانقسامه بين الناديين الكبيرين.. نفس آليات ولغة الخطاب التي يستخدمها السياسيون وتعبر عن حالة الاستقطاب بأبعادها المختلفة، بما فيها محاولات نفي الآخر.. هي ذاتها (اللغة) التي تسيطر على حديث الناس والرياضيين في ذلك اليوم.

وبينما رأى السينمائيون في فيلم «حسن ومرقص» ضالتهم لمحاولة طرق المسكوت عنه فيما يتعلق بالمسيحيين والمسلمين في مصر، يحاولون (السينمائيون) معالجة قصة الصراع التاريخي بين الأهلي والزمالك، على طريقة الفنانة اللبنانية الشهيرة صباح حين غنت للفريقين «إنت أهلاوي؟.. هه.. إنت زملكاوي؟.. هه.. الاثنين حلوين.. محتارة أشيل مين.. ولاّ أشيل مين جوه عيوني».. حيث يصور عدد من لاعبي الفريقين حالياً فيلماً كوميدياً بعنوان «الزمهلاوية»، يقوم بتمثيله كل من الحارس الدولي عصام الحضري وعمرو زكي وجمال حمزة ومحمد شوقي.

يعترض إبراهيم بدوي (محاسب) على هذا الكلام، معتبراً أن الأهلي والزمالك مؤامرة على الشارع قائلا «إنها مجرد مباراة لا أكثر ولا أقل، غير أن هناك من يعمل على ترسيخ مثل هذا النوع من الاستقطاب للرأي العام لابعاده عن باقي الامور. لكن الكاتب صلاح عيسى رئيس تحرير صحيفة «القاهرة»، يعترف بأن مساحة التعصب زادت في مصر على مستويات عدة، بدءا بكرة القدم وانتهاء بالدين، بل والخلافات داخل المذاهب في الدين الواحد على حد قوله. إذ يرى عيسى أن الانحياز بات نتاجا عاما لعدم القدرة على رؤية التنوع الطبيعي الموجود في الحياة، حيث بات الجميع يسعى إلى «شيطنة الآخر» سواء كان حزبا سياسيا أو ناديا لكرة القدم أو حتى صاحب رأي.

ويعزي عيسى بعضا من أسباب ذلك إلى وسائل الإعلام التي ابتكرت فكرة المناظرات الفضائية التي تعني ـ بحسب مقدمي هذه البرامج ـ وجود طرفين مختلفين منذ البداية إلى النهاية إلى حد التشابك اللفظي والجسدي أحيانا من دون وجود نقاط التقاء. يقول عيسى إن ما يحدث بين الأهلي والزمالك هو انعكاس للوضع السياسي والاجتماعي، إذ أن التعصب الكروي يزداد دوما وقت انحسار الأحزاب السياسية، حيث صارت نوادي الكرة ـ بحسب عيسى ـ هي الأحزاب السياسية الوحيدة الموجود في المجتمع في الوقت الراهن. لكن عيسى يعود ويبدي تفاؤلا حيال قدرة أي طرفين مختلفين في المجتمع على التلاقي في العمل المشترك وتذويب التناقضات القائمة، يقول عيسى إن المنتخب الوطني لكرة القدم يجسد هذه الحالة، حيث المشروع الوطني الواحد، موضحا أن هناك دوما منطقة مشتركة تجمع كل الأطياف، وما يحتاجه المجتمع المصري اليوم موجود في «المشتركات الوطنية».