وزير الثقافة البرازيلي يرقص ويغني للبنانيين عذابات المحرومين

فرقة مكسيكية صاحبته عزفت على الحجارة وبالأظافر

جيلبرتو جيل وقد صارت الجماهير أمام المسرح لتحية النجم والوزير البرازيلي (تصوير: جوزف أبي رعد)
TT

ليست المرة الأولى التي يغني فيها جيلبرتو جيل في لبنان، فقد سبق له وأن أمتع اللبنانيين في قلعة بعلبك التاريخية منذ أربع سنوات، لكنه هذه المرة أتاهم عارفاً بمزاجهم، خبيراً بمتعهم. وليلة أول من امس، أطلّ وزير الثقافة البرازيلي الحالي، والمتمرد الذي لا يتعب ولا يهدأ، على مسرح مهرجانات بيت الدين، متأبطاً غيتاره الكهربائي، رابطاً شعره الطويل، منتعلاً حذاء رياضياً، ليغني للفقراء والمحرومين، ويعيد للبؤساء اعتبارهم. وكأنما هذا الرجل الذي ناضل حتى الوصول إلى السجن، وكرّم حتى بلوغ وزارة الثقافة في بلاده لم ترهقه رحلات الصعود والهبوط، فجاء متسلقاً جبل لبنان، مغنياً في ربوعه، متحمساً، حيوياً، وصاخباً مرحاً كعادته.

وكأنما القيمون على المهرجانات قد أرادوا مفاجأة الحضور فاستبقوا الحفل المنتَظر بآخر لم يكن قد أعلن عنه مسبقاً، وإذ بفرقة «بندا لارجا» المكسيكية تعتلي الخشبة لتفتح الليلة بموسيقييها الأربعة، مبهرة وساحرة كما لم يكن متوقعاً. فرقة تعلمك ان الموسيقى هي بنت الأصابع والأظافر والصفارات والحجارة وقطع الأخشاب المهملة. عزف الموسيقيون على مدى نصف ساعة مقطوعاتهم المبتكرة بما تيسّر من أدوات قد لا تعني لغيرهم الكثير، لكنها بين أيديهم تحولت آلات موسيقية تتناغم وتتزاوج وتتآلف كما لو أنك أمام أوركسترا ذات نبض بدائي خاص، دون أن ينسوا لفت الأنظار إلى ان حجارة بلدة بيت الدين، التي يقام فيها المهرجان، تصلح لأن تكون آلات ممتازة للعزف هي الأخرى. نوع من التشجيع والتحريض للسكان ليحذوا حذوهم، ويعزفوا على حجارة طرقاتهم وساحات بيوتهم.

ثم جاء دور نجم البوب الشهير جيلبرتو جيل ليبدأ الغناء على وقع التصفيق الحماسي، ويتفاعل مع جمهوره الذي أتاه من كل لبنان ومن خارجه أيضاً، وضمنه وزير الثقافة اللبناني الجديد تمّام سلام. غنّى الفنان والدبلوماسي والملحن الذي حدّث الموسيقى البرازيلية الشعبية طوال أربعين سنة وبلغ اليوم الخامسة والستين، ورقص وأرقص الحضور على أنغامه التي تختلط فيها موسيقى الروك والريغى مع الفنك، ولا توفر كلماته الملتزمة أفريقيا أو الفلبين ولا تنسى المظلومين والمقهورين وكل الذين يعانون من التعصب والتمييز.

حاول جيل الذي هو اليوم احد أشهر الشخصيات البرازيلية، ان يشرح للحضور أسرار السمبا وخفاياها ومدارسها مبيناً انها موسيقى الأفراح والمتع، كما حاول شرح أصول بعض من خلطاته الموسيقية. لم يتغير جيلبرتو جيل بسبب الوزارة التي نالها عن استحقاق، وحار كثيرون كيف بمقدور هذا البوهيمي الذي لا يكفّ عن الغناء، أن يضطلع بمسؤولياته الجسام، فبقي كما هو مسدلاً شعره متأبطاً غيتاره مقيماً حفلاته في أرجاء الأرض، لكنه يعمل أيضاً على مشروع لإيصال الفنون إلى المناطق المحرومة والفقيرة في بلاده وما أكثرها، كما انه يعمل على مضاعفة الانتاج السينمائي في البرازيل. ويؤمن هذا الوزير ـ المغني، الذي حلّ ضيفاً على واحد من أكثر المهرجانات مخملية في لبنان، ان الفنون بمقدورها إذا ما انتشرت بين الناس، ان تحقق التماسك الاجتماعي، وتعيد التوازن إلى الناس وهي تنحت تقاربهم.

ويترك جيلبرتو جيل، صاحب الجوائز والأوسمة العالمية لبنان، بعد ليلته العامرة، ليحيي حفلين في إيطاليا يومي 22 و24 من الجاري وآخر في فرنسا يوم 26، قبل ان يقيم حفلاً في ريو دي جانيرو في الثاني من أغسطس المقبل.