كوبري أكتوبر.. من لوازم صورة الزفاف

صار مرادفا للبهجة وأحد التقاليد اللازمة لإتمام الزواج

عروسان يحتفلان بزفافهما على أحد كباري القاهرة (رويترز)
TT

«أحمد وهديل عروسان يرقصان معا فوق كوبري أكتوبر، بينما تحول كل المارة إلى مدعوين».

هكذا بدا مشهد الاحتفال بالزفاف في الهواء الطلق في ليل القاهرة الساحر، فالقاهريون رغم كل شيء يتفنون كل يوم في ابتداع عناوين جديدة للبهجة. «عروس النيل» هذا الطقس الذي عاشه النهر الخالد قبل آلاف السنين لا يزال يتكرر، لكن مع فرق بسيط هو أن العروس في الماضي كانت تلقي بنفسها فيه، لكنها الآن على ما يبدو تفضل الذهاب إلى بيتها الجديد متأبطة ذراع زوجها. وفي كل ليلة تقريبا يمكن أن يلمح الراكب أو المار فوق الكوبري الأطول في منطقة الشرق الأوسط مشهدا غاية في البساطة، لكنه يحمل في طياته معاني جميلة، في وقت تتكاتف فيه المشاكل والأزمات لصرف الشباب والشابات عن إكمال «نصف دينهم» كما يقول المصريون، فالزواج هنا هو نصف الدين، في دلالة عميقة على أهميته وضرورة السعي إليه.

المشهد السعيد يحوي بساطة المكان على صفحة النيل الهادئ، وأمام مباني القاهرة الجميلة تقف العروس بفستانها الأبيض البسيط وبجوارها عريسها المهندم في غير تكلفة، ليلتقطا صورا للزفاف السعيد وسط «زفة» بسيطة يقوم بها بعض الشباب الذين وجدوا فرصة عمل ليلية تتمثل في استقبال العروسين وأداء بعض أغنيات الأفراح التي يعج بها التراث الموسيقي الشعبي في مصر، ولا مانع من «بائع للفل» يزيد الجو عبقا وسرورا. كوبري أكتوبر، الذي يربط شطري العاصمة المصرية، تحول مؤخرا إلى أحد الطقوس اللازمة لإتمام الزواج ـ يكاد لا يتم إلا به ـ على حد قول بعضهم. ولا يدري أحد متى بدأ، لكنه بات واقعا جديدا يعيشه الكوبري الأهم في حياة القاهريين كل ليلة. فبعد إتمام إجراءات عقد القرآن في أحد القاعات المخصصة في مشيخة الأزهر أو في مسجد النور بالعباسية، يخرج العروسان في موكب حافل إلى الجزء المطل على النيل من الكوبري، لتبدأ مراسم العرس، أو كما يسميه المصريون «الفرح». تبتسم هديل خجلة معترفة بأنها صاحبة الاقتراح قائلة «شاهدت لحظات الفرح فوق الكوبري منذ وقت طويل، إذ كنت معتادة على المرور من فوق الكوبري لأشاهد الأعراس، وتمنيت أن آتي إلى هنا في يوم زفافي كي أعيش اللحظة ذاتها، وهذا ما يحدث الآن».

العريس أحمد رغم ارتفاع تكلفة إقامة الأفراح في القاهرة صمم على تأجير قاعة في احد النوادي النهرية التي تنتشر بطول النهر ومخصصة لإقامة الأفراح، قائلا «دفعت سبعة آلاف جنيه تقريبا (1500 دولار) لتأجير القاعة والفرقة الموسيقية رغم اعتراض العروس ورغبتها في توفير هذه النفقات، لكنها ـ والكلام لأحمد ـ ليلة واحدة في العمر يجب الاحتفال بها كما يجب».

مصر التي قارب سكانها على الثمانين مليون نسمة، يبلغ عدد من هم في سن الزواج فيها حوالي 47 مليون شاب وفتاة، منهم 13 مليونا لم يسبق لهم الزواج بنسبة 29% من جملة عدد السكان، بينما يبلغ عدد المتزوجين 30 مليونا بنسبة 64%، في وقت تتزايد فيه معدلات البطالة وارتفاع أسعار العقارات مما يزيد من صعوبة تكوين أسرة، لكن بالرغم من ذلك كله لا يتوقف كوبري أكتوبر وقاعات الأعراس عن استقبال ضيوف جدد كل يوم.

تقول سماح،30، عاما، ولا تزال تنتظر الزوج المناسب، إن كوبري أكتوبر صار مرادفا للبهجة بعدما كان حتى وقت قريب يعني زحمة المرور والحوادث، معتبرة أن ضعف الإمكانات المادية هي التي تدفع الشباب إلى اختصار مراسم الزواج على كوبري وسط النيل وسط زفة قصيرة يشارك فيها المارة والسيارات التي تطلق أبواقها بهستيرية «لذيذة» احتفالا بالزفاف. بينما يعتقد محمد كمال (مصور) أن الكوبري تحول إلى طقس للفرح لا علاقة له بالظروف المادية، مؤكدا أن الأغنياء أيضا يتوقفون أيضا على الكوبري لالتقاط الصور التذكارية قبل الذهاب إلى قاعات الفنادق الفاخرة. يقول كمال إن الخلفية التي يتمتع بها الكوبري تجعل منه مكانا مميزا لالتقاط الصور...» مبنى الإذاعة والتلفزيون وفندق هيلتون من ناحية، وبرج القاهرة ومبنى الأوبرا من ناحية أخرى تشكل خلفيات جميلة للصور التي تسجل أحلى ليالي العمر، فضلا عن أن صفحة النيل في هذا الموقع تبدو مضاءة بفعل الأضواء المنعكسة عليها من البنايات والمطاعم المجاورة مما يزيد من جمال الصورة». قالت رانيا التي تزوجت قبل شهرين إن كوبري أكتوبر كان بالنسبة لها الموقع الرئيسي للعرس، فقد رفض زوجها أن ينفق أمواله في استئجار قاعة لعدة ساعات مقابل آلاف الجنيهات. موضحة أنهما اتفقا على أن يكون الكوبري هو مسرح الزفة والتصوير بعد عقد القران في أحد المساجد الكبيرة، في مقابل الانتقال بعد الفرح مباشرة إلى مرسى مطروح (شمال غرب القاهرة) لقضاء أسبوع في إحدى القرى السياحية هناك. ويعلق مجدي على قراره بأنه لا يحب الإسراف رغم غضب بعض أصدقائه منه في قصر الاحتفال بالزواج على الكوبري فقط، مضيفا أن «من لا يفرح لمجرد إقامة حفل زفافي في أي مكان، فأنا لست في حاجة إلى مشاعره». يعد كوبري 6 أكتوبر أطول جسور العاصمة، إذ يمتد من منطقة الدقي غرب القاهرة وحتى مشارف حي مدينة نصر في شرقها، مرورا بأهم ميادين القاهرة وشوارعها بطول 11.373 كم تقريبا، وتم بناؤه على عدة مراحل، وفي خضم تشييد المرحلة الرابعة منه قامت حرب أكتوبر (تشرين الأول) عام 1973، فتم تغيير اسم الكوبري من كوبري رمسيس إلى كوبري 6 أكتوبر احتفاء بذكرى النصر. وكان قد بدأ إنشاؤه في عام 1969 وانتهت جميع مراحله في عام 1999، فيما توقف البناء لمدة عشر سنوات لظروف اقتصادية واجهت عملية التشييد، ليصبح فيما بعد، بالإضافة لمرور السيارات، طقسا رائعا من طقوس «الزواج» يعيشه على متنه بعض من أبنائها.