حارسات الأمن.. جديد قاعات الافراح السعودية

لمنع حمل المدعوات الهواتف الجوالة المزودة بـ «كاميرا»

TT

أصبح من المعتاد في مدخل أي قاعة يقام فيها عرس نسائي في معظم مناطق السعودية، رؤية حارسة أمن واحدة، على الأقل، تجلس بجانب الباب مسلحة بجهاز كاشف للمعادن تخضع من خلاله كافة المدعوات لفحص سريع ودقيق يؤكد عدم حيازتهن لجهاز هاتف نقال مزود بـ «كاميرا».

حارسة الأمن، بوجودها الذي أصبح اعتيادياً وأساسياً، وبحزمها الذي يتبدى في سلوكياتها ونظراتها الثاقبة، تحرس خصوصية الحاضرات اللاتي لم يبخلن بشيء من أجل إطلالة مضيئة كالبدر تكتمل بها فرحة المشاركة، وبشكل يستحضر إلى الذاكرة منظر (القهرمانة) الصارمة التي تحرس فاتنات ألف ليلة وليلة.

استخدام كاميرا الهاتف النقال لتصوير السيدات، وإساءة استخدام هذه الصور فيما بعد تهديد حقيقي لأمن وخصوصية قاعات الأفراح النسائية بالسعودية، ما حدا بالعديد من إدارات قصور الأفراح إلى اتباع نظم صارمة جداً لمواجهة هذا التهديد، وحماية مرتادات هذه القاعات من انتهاك خصوصيتهن. وأصبح وقوف حارسات الأمن على أبواب قاعات وصالات الأفراح النسائية من الظواهر العادية التي ألفها الناس وتعايشوا معها، بل وأصبحوا يحرصون على وجودها، كأحد الأمور الأساسية التي لا تستقيم مراسم الفرح بدونها، وهو ما وفر لكثير من السيدات فرص عمل جديدة، خاصة خلال موسم الصيف الذي يعد موسماً سنوياً للزواج والأفراح والليالي الملاح، خاصة بالنسبة للسيدات اللاتي تتوافر فيهن المواصفات المناسبة للقيام بهذا العمل. ولم تتوقف مواجهة الظاهرة عند هذا الحد، بل بدأ أصحاب المناسبة يتخذون إجراءات احترازية أخرى منها تذييل بطاقات دعوات الزواج بعبارة «يمنع على النساء الدخول بالهاتف المحمول المزود بكاميرا»، بل يصل الأمر أحيانا في بعض قاعات الزواج إلى إلزام المدعوات بكشف غطاء الوجه للتأكد من هوية المدعوة. ولا يقتصر المنع على حاملات جوالات الكاميرا بل طال ما يعرف محليا «بالمبرقعات، والمنقبات، والمغاتير» كناية عن المرأة التي لا تكشف عن وجهها وترتدي ملابس خاصة».

هذه الإشكالات دفعت العديد من النساء لاقتناء جهازين، أحدهما مزود بكافة المزايا العصرية بما فيها الكاميرا شديدة الوضوح للاستخدام اليومي، وآخر بدون هذه المزايا ومجرد من الكاميرا بشكل خاص لاستخدامه عند الذهاب إلى حفلة عرس، في محاولة لتفادي مشاكل قد تتعرض لها السيدة نتيجة لسوء الفهم إذا ما حاولت إجراء اتصال هاتفي بسائقها في الخارج أو أحد أفراد أسرتها.

يؤكد علاء عابدين، المشرف على إحدى قاعات المناسبات والاحتفالات بمدينة جدة (غرب السعودية)، أن سياسة القاعة منذ اليوم الأول لافتتاحها كانت تنص بشكل حاسم على منع دخول أي جهاز هاتف محمول بكاميرا، وحتى لو كان هذا الجهاز يعود لأحد أفراد عائلة العروسين، وهي سياسة لا تحابي فيها إدارة القاعة.

ويضيف عابدين، أن هذه السياسة تلقى ترحيباً كبيراً جداً من الرجال بشكل عام والذين يؤيدونها بنسبة 100 بالمائة، في حين أن نسبة 5 بالمائة من السيدات يتذمرن عادة من هذا الإجراء، إلا أن السواد الأعظم من السيدات المدعوات يتقبلن ويتفهمن هذا الإجراء، و«حتى المعترضات يكمن اعتراضهن في أن أجهزتهن تصادر وليس في الإجراء المتبع للكشف عن وجود الجهاز أصلاً» على حد قوله. ويصف عابدين الطريقة المتبعة في القاعة التي يشرف عليها للكشف عن أي جهاز مهرب قد يستخدم لأغراض غير بريئة بقوله «لدينا موظفة أمن سعودية في الثلاثين من عمرها، وهي تتمتع بالكفاءة والصرامة والنزاهة التي تجعلنا نأتمنها للقيام بهذا العمل، وهي شروط ضرورية دائماً فيمن تشغل هذه الوظيفة». وأشار إلى أن هذه الموظفة «تستعين بجهاز للكشف عن المعادن من النوع الذي يستخدم في المطارات، وهي تقف على مدخل القاعة، والذي لا يتجاوز عرضه المتر الواحد، حتى يتسنى لها تفتيش سيدة واحدة في كل مرة، وهي تقوم بتمرير الجهاز على جسدها للكشف عن أي جهاز مختف في طيات فستان السهرة، أو التسريحة الكثيفة التي تعتمدها، بعد أن تكون قد قامت بتفتيش الحقيبة التي تحملها المدعوة يدوياً للتأكد من عدم وجود جهاز مزود بكاميرا».

ويتابع «وعندما تضبط موظفة الأمن أي جهاز مخالف فإنها تقوم بمصادرته، وتحفظه في كيس خاص به بعد إغلاقه، وتسلم المدعوة رقماً خاصاً بها لتستعيد به جهازها عند خروجها مرة أخرى». ويرجع عابدين هذه السياسة المتشددة إلى الحرص الشديد على الحفاظ على خصوصية أهل الفرح، والمدعوين فيه، وعلى العادات والتقاليد التي ترفض انتشار صورة عارية لفتاة أو غير محتشمة.

ويتبع عدد كبير من القاعات المنتشرة في مدينة جدة مثلاً السياسة نفسها وإن كانت تتفاوت في مدى تشددها في تطبيقه، وتكمن المفارقة العجيبة في أن قاعات الأفراح الأخرى الملحقة عادة بفنادق من طراز السبع أو الخمس نجمات ـ وهي أقل من حيث العدد بجدة ـ لا تتشدد كثيراً في تطبيق هذا الشرط، وهي لا تقدم عادة خدمات من قبيل الكشف عن كاميرات الهاتف النقال، وفي حال رغبة أهل الفرح بتطبيق هذا الشرط فيقع على عاتقهم عبء الرقابة، كما يقول ولاء السنوسي، مشرف قاعة فندق جدة ماريوت، الذي يعود ليؤكد بأن إدارة القاعة يمكن أن ترفض طلباً من هذا القبيل، لكنه يشير في الوقت نفسه إلى أن مثل هذه الطلبات نادراً ما يتم طلبها من عملائهم.

وعلى الرغم من التفاوت في تطبيق الإجراءات الأمنية التي تمنع استخدام كاميرات الهواتف النقالة في قاعات الأفراح والمناسبات، إلا أن خدمات المتطوعات حاضرة دائماً للكشف عن أي استخدام سيء لجهاز الهاتف النقال أو حركات مريبة، وهو ما تشهد به النسبة العالية للمشاجرات والخلافات بين الجنس الناعم. تقول نوف الحسن، حارسة أمن «إننا نستخدم طرقاً عدة في عمليات التفتيش الذي يتم أولا بواسطة جهاز كشف المعادن ومن ثم التفتيش اليدوي تفتيشاً كاملاً، ومن خبرتنا في هذا المجال أصبحنا نقوم بتفتيش الأطفال الصغار المرافقين بعد رصد عدد من الهواتف النقالة مع الأطفال».

وأضافت الحسن أنه بعد إجراء عمليات التفتيش تقوم الحارسات بمراقبة المدعوات بشكل دقيق داخل القاعة لضمان عدم التصوير، لافتة إلى أن المدعوة التي تضبط وهي تقوم بالتصوير يتم سحب الجوال بشكل هادئ وتحجيمها وإخراجها خارج القاعة من دون ضوضاء ويتم إحراق جهاز الهاتف النقال أو تكسيره بعد ذلك.

وقالت حارسة أمن أخرى، رفضت الإفصاح عن اسمها، «نحن نتقاضى في الليلة الواحدة ما بين 5 آلاف إلى 3 آلاف ريال سعودي (1333 و800 دولار)، ولا نستطيع تلبية كافة الطلبات بسبب زيادة الطلب علينا في مواسم الزواج».

وتوضح: أن كثيراً من الأسر يلتزمون بالتعليمات ويستخدمون أجهزة هاتف نقالة دون كاميرا داخل قاعة الفرح، ويستخدمون أجهزة أخرى بكاميرا خارج القاعة، مشيرة إلى أن أغلب اللاتي يتم ضبطهن وهن يقمن بالتصوير من صغيرات السن.