«جو» خرج بالسينما إلى الحياة اليومية والبسطاء

قدم أهم النجوم في السينما المصرية

يوسف شاهين في مهرجان كان في لقطة باسمة
TT

ولد يوسف جبريل شاهين عام 1926 في الاسكندرية (شمال مصر) وهو من عائلة لبنانية انتقلت للعيش في مصر في نهاية القرن التاسع عشر.

وبعد دراسته الابتدائية والثانوية في الاسكندرية انتقل الى كاليفورنيا في الولايات المتحدة حيث درس صناعة الافلام والفنون المسرحية.

عاد شاهين الى مصر منارة السينما العربية حينها وعمل مساعدا للمصور السينمائي الفيز اورفانالي الذي مهد لفرصته الاولى في الاخراج مع فيلمه الاول «بابا أمين»، وبدأ تصوير الفيلم عام 1949 وعرض في العام التالي 1950 ولم يكن شاهين قد تجاوز الثالثة والعشرين.

وبعد عام على ذلك استطاع ان يشارك بفيلمه الثاني «ابن النيل» في مهرجان كان للسينما مطلقا شهرته كمخرج يفارق اللغة السينمائية المصرية المعروفة في حينها. عندها بدأت انطلاقته التجريبية التي لم تتوقف طوال حياته الفنية التي امتدت ما يقارب الـ60 عاما.

ويرى نقاد ان استمرار تجربة يوسف شاهين السينمائية لم تتوقف بسبب مواقفه الاجتماعية والسياسية الواضحة التي عبرت عنها أفلامه. عاش شاهين قريبا من وطنه معبرا في أفلامه عن آلامه المصريين والعرب وأوجاعهم وأحلامهم.. ففي فترة قبل الثورة كان شاهين مع البسطاء «والغلابة» ضد الإقطاع والظلم، ونجح في التعبير عن ذلك عبر سلسلة من الأفلام التي حملت حلم الحرية جنينا، ونبتا صغيرا سرعان ما أخذ حقه الطبيعي في الارتفاع فكانت أفلام «الناس والنيل» و«الأرض»و «صراع في الوادي». وعاش شاهين أجواء الثورة وأحداث التأميم وبزوغ الاشتراكية الناصرية، فكان «الناصر صلاح الدين»، لكنه سرعان ما واكب انكسار يونيو والقمع السياسي وزوار الفجر وانهيار الطبقة الوسطى والانفتاح الاقتصادي وعصر التحولات الأخير، فكان «العصفور»، و«عودة الابن الضال» و«حدوته مصرية»، و«الآخر»، انتهاءً بفيلمه الأخير «هي فوضى» الذي شارك تلميذه خالد يوسف في إخراجه العام الماضي. ورغم أن شاهين كان عازفا عن الانضمام لأي جماعة أو حزب سياسي، إلا أن تاريخه في المشاركة السياسية الجماهيرية كان حاضرا وبقوة في كل العصور بدءا من مظاهرات ما بعد نكسة يونيو التي كانت تطالب الرئيس عبد الناصر بعد التنحي عن الحكم، مروراً بقيادته الفنانين في احتجاجهم على قانون النقابات الفنية مطلع التسعينيات، إلى مشاركته طلاب الجامعات في مظاهراتهم ضد غزو العراق عام 2003، وانتهاءً بتضامنه من أهالي جزيرة الذهب القابعة وسط النيل في رفضهم أن تتحول مملكتهم الصغيرة إلى منتجع سياحي للأغنياء. وقد تتلمذ على يديه العديد من المخرجين مثل يسري نصر الله والراحل رضوان الكاشف وعلي بدرخان وخالد الحجر وخالد يوسف ومجدي احمد علي وعماد البهات.

وكذلك قدم شاهين وجوها مهمة في السينما المصرية اهمها الفنان الذي وصل الى العالمية عمر الشريف عندما اختاره للمرة الاولى للوقوف امام فاتن حمامة في فيلم «صراع في الوادي».

وقدم عددا كبيرا من نجوم السينما المصرية افضل ابداعاتهم في افلامه واصبح عدد منهم من ابطال الافلام التي اختيرت من ضمن اهم مائة فيلم مصري خلال مائة عام. ومن ابرزهم الفنان محمود المليجي الذي قدم افضل ادواره في السينما المصرية في فيلم «الارض» وكذلك فاتن حمامة التي قدمت افضل ادوارها معه في فيلم «صراع في الوادي» ويسرا في فيلم «المهاجر» و«حدوته مصرية» والراحل احمد زكي في فيلم «اسكندرية ليه» الى جانب محسن محيي الدين ونور الشريف في «المصير» و«عودة الابن الضال».

هذه المسيرة والرحلة الطويلة التي امضاها في السينما المصرية قرابة ستين عاما استطاع شاهين خلالها ان يفرض ثقله الفني والابداعي بشكل لا لبس فيه، فلا يمكن لأحد محليا او عالميا ان يتطرق للسينما العربية من دون ان تكون تجربة شاهين في مقدمتها. وظهر ذلك بشكل واضح عندما قام النقاد السينمائيون المصريون باختيار عشرة من افلامه من بين اهم مائة فيلم في تاريخ السينما المصرية بمناسبة مرور مائة عام على انطلاقتها.

وهو احد السينمائيين القلائل الذين اعتمدوا على انفسهم في تمويل افلامهم خصوصا بعد توقف دعم الدولة له اثر فيلم «العصفور» الذي هاجم فيه الدولة متهما اياها بالتسبب بهزيمة يوينو (حزيران) 1967. فأسس شركته وعمل على الانتاج المشترك لتمويل افلامه خصوصا مع منتجين فرنسيين.

وحصل شاهين خلال رحلته الفنية على العديد من الجوائز من اهمها ذهبية مهرجان قرطاج السينمائي التونسي عام 1970 وجائزة الدب الفضي في برلين عن فيلمه «اسكندرية ليه» عام 1978، وهذا الفيلم هو اول افلام سيرته الذاتية التي قدمها بأربعة افلام الى جانبه افلام «حدوته مصرية» و«اسكندرية كمان وكمان» و«اسكندرية نيويورك».

وتوج عمله بفوزه بجائزة اليوبيل الذهبي لمهرجان كان للسينما في عام 1997 عن مجمل أعماله. ومنحته الحكومة الفرنسية وسام شرف من رتبة فارس عام 2006. وسواء اختلف البعض مع أطروحات شاهين التي صاغها عبر أفلامه، أو اتفق معه فيها، سيبقى شاهين علامة مضيئة في تاريخ السينما المصرية، وستفتقد بلاتوهات التصوير حماسه المتقد وقدرته الرائعة على النفاذ في أعماق هذا الوطن والتعبير عنه كما هو دون رتوش.

«أنسنة السينما» كانت هي المهمة الأبرز في تاريخ يوسف شاهين السينمائي على مدار 60 عاما هي عمره الفني، تشع القيم الإنسانية من ثنايا لقطاته ومشاهده، ويؤدى ممثلوه كما يحيون حياتهم العادية، ثم يفاجأ المشاهد بلوحة موزايك تبهر عين المشاهد وتدخل معانيها إلى عقله لتزيده ثراء، وتنتشي روحه. جمعت أفلامه بين التقنية والعلم والفكر، وتخطت تأثيراتها النخبة أو الانتلجنسيا إلى الفلاحين في الحقول والعمال في المصانع. ظل عروبيا حتى النخاع، وغارقا في قضايا وطنه حتى الثمالة وفاتحا ذراعيه للآخر بلا عقد..

ذات مرة سئل في إحدى البرامج التلفزيونية عن سر عبقريته، فنهر المذيع بطريقته الصادمة وقال له «لا يوجد شيء اسمه العبقرية هناك تعب وجهد ودأب، أنا تعبت كتير عشان أعمل اللي أنا عايزه».