باعة الأعلام في شوارع القاهرة .. شعارهم «الرزق يحب الخفية»

ظهورهم يرتبط بالأحداث الرياضية المهمة

ينتشر باعة الأعلام في شوارع القاهرة قبيل المباريات الهامة («الشرق الأوسط»)
TT

«رغم أني زملكاوي إلا أن مكسبي الرئيسي يكون من بيع أعلام الأهلي، وهو ما يشعرني بالمرارة، ولكن أعمل إيه الرزق يحب الخفية» هكذا بدأ أحمد شاهين، 17 عاما، بائع أعلام بشارع طلعت حرب التجاري الشهير بوسط القاهرة حديثه معنا بعد أن أنهى نقاشا حادا مع أحد مشجعي نادي الزمالك يريد تخفيض ثمن علم ناديه ليشتريه، ووافق في النهاية على تخفيض خمسة جنيهات من سعر العلم، مضيفا «علم الزمالك دائما ما أبيعه بالخسارة لأن عدد مشجعي الزمالك الذين يذهبون للاستاد قليل مقارنة بعدد مشجعي الأهلي ، ولذلك لا أقبل أي تخفيض في سعر علم الأهلي».

ويرتبط ظهور باعة الأعلام في شوارع القاهرة بالأحداث الرياضية بشكل عام، والكروية على وجه الخصوص، فعندما تراهم ينتشرون في الشوارع الرئيسية في القاهرة، تعرف أن هناك مباراة مهمة في كرة القدم، مثل مباريات المنتخب القومي، أو مباراة الأهلي والزمالك، التي يطلق عليها «ديربي العاصمة المصرية».

فعلى مدار يومي أمس وأول من أمس انتشر باعة الأعلام في شوارع القاهرة يعرضون بضاعتهم المختلفة استعدادا لمباراة الأهلي والزمالك في بطولة السوبر المصري التي أقيمت الليلة الماضية والجريدة ماثلة للطبع، وتفننوا في وسائل عرض بضاعتهم، فمنهم من ارتدى «باروكة» شعر مستعار إما أحمر بلون قميص «الأهلي»، وإما أبيض بلون قميص «الزمالك». إلا أن الفوز الأخير للأهلي على الزمالك في مباراة دور الثمانية في بطولة رابطة أبطال الدوري الأفريقية الأسبوع الماضي، كان له أثره في قلة المعروض من أعلام نادي الزمالك، الملقب بـ«القلعة البيضاء»، مقابل الزيادة الملحوظة في أعلام النادي الأهلي، الملقب بـ«الشياطين الحمر». علاء فتحي شاب مصري في التاسعة عشر من عمره احترف بيع الأعلام في المناسبات الرياضية، وعادة ما يقف في شارع جامعة الدول العربية بضاحية المهندسين غرب الجيزة بجوار سور نادي الزمالك، ليبيع أعلام طرفي المباراة.

ويقول علاء «رغم أني أشجع النادي الأهلي، إلا أنه لا بد أن أحمل أعلام الزمالك وإلا سأفقد جزءا كبيرا من دخلي، وقد أتعرض لبعض المضايقات، فأحيانا عندما تنفذ أعلام أحد الفريقين، ويمر بي مشجعي الفريق الآخر، يسبوني ويتهمونني بالانحياز للفريق الآخر».

ويضيف علاء «أبيع العلم من الحجم الكبير بعشرة جنيهات (الدولار يساوى نحو 5.3 جنيه) ومن الحجم المتوسط بخمسة جنيهات، إلا أني أضطر أن أرفع سعر العلم خمسة جنيهات بسبب فصال المشترين حتى أصل إلى السعر الذي أريده».

ويوضح علاء أن «المعلم» الذي يعمل لديه يشتري الأعلام بالجملة من التجار بمنطقة الفجالة التجارية بوسط القاهرة، ويعطى علاء كمية تبلغ خمسين علما ليبيعها، على أن يأخذ علاء عشرين جنيها من المكسب و«الباقي يأخذه المعلم».

محمد عبده، 25 عاما، وقف في الجزيرة الوسطى بشارع صلاح سالم بجوار إستاد القاهرة الذي تقام عليه المباريات متنقلا بين جانبي الشارع، يقفز بحركة رشيقة بين السيارات ليبيع أعلامه، وانتظر حتى خفت حركة البيع والشراء ليبدأ حديثه إلينا قائلا «طبعا بأكسب كويس في مثل هذه المباريات، ولكنها كل فين وفين، أحلى أيام كانت أيام كأس الأمم الأفريقية عام 2006 (التي استضافتها مصر)»، مؤكدا أنه بالنقود التي جمعها خلال هذه البطولة استطاع أن يكمل تجهيز شقته ليتزوج.

ويقول عبده «كان مكسبي في اليوم الواحد يتعدى الثلاثمائة جنيه، وكنت أعمل من العاشرة صباحا حتى الواحدة بعد منتصف الليل.. الإقبال كان شديدا ومن كل الفئات».

ويضيف «ورغم أن كأس الأمم الأخيرة في فبراير (شباط) أقيمت في غانا إلا أن الأداء المشرف للمنتخب المصري الذي أحرز لقب البطولة جعل بضاعتنا تلاقي إقبالا شديدا، حيث كان البعض يضع الأعلام على سيارته والبعض الآخر يضعها في شرفات المنازل».

ويوضح عبده أنه في الأيام التي لا يوجد بها مباريات يعمل مناديا للسيارات بشوارع ضاحية مدينة نصر (شرق القاهرة)، حيث يكسب نحو خمسين جنيها في اليوم.

محمود حسن طالب جامعي،21 عاما، كان يستعد للدخول إلى إستاد القاهرة الدولي لمشاهدة مباراة الأهلي والزمالك أمس مع مجموعة من أصدقائه، قال «لا بد أن أشترى علما قبل حضور المباراة ليكتمل التشجيع، فالتلويح بالعلم أفضل وسيلة لتحية لاعبي الفريق الذي أشجعه»، إلا أن محمود اشتكى من أن رجال الشرطة يأخذون منه العصا المثبت بها العلم على الباب، وهو ما فسره أحد رجال الأمن الموجودين عند بوابة الإستاد، بأن بعض المشجعين المتعصبين يقذفون الملعب بهذه العصي، مما قد يفسد المباراة.

الدكتورة هدى رشاد أستاذ الاجتماع بالجامعة الأميركية بالقاهرة تفسر ظاهرة الإقبال على شراء الإعلام قبل المباريات الرياضية ببحث الشباب عن الانتماء، قائلة «الشباب يبحث عن أي قيمة لينتمي لها، ففي ظل غياب الأحزاب السياسية والجماعات الأهلية لم يجد الشباب سوى الرياضة لينتموا إليها».

وتضيف «ظهر جليا خلال كأس الأمم الأفريقية التي استضافتها مصر عام 2006، عندما التف الشباب حول علم مصر، وظهرت فئات جديدة من المشجعين لم تكن مهتمة بالكرة من قبل، وابتكروا أساليب وطرق جديدة في التشجيع».

واعتبرت د. هدى رشاد أن انتماء الشباب للرياضة شيء إيجابي، مبررة ذلك بقولها «على الأقل هذا الانتماء يحميهم من الوقوع في حبائل التطرف أو الانحراف»، إلا أنها شددت على ضرورة ألا يرتبط الانتماء للرياضة بالتعصب قائلة «الرياضة عبارة عن مكسب وخسارة، ويجب أن يتحلى المشجعون بالقدر الكافي من الروح الرياضية الذي يجعلهم يتقبلون الهزيمة ويفرحون بالفوز».