يوسف شاهين طاقة حب لن تنتهي

بعضهم تساءل: في أي مسجد سنصلي عليه؟!

المخرج خالد يوسف في لحظة حزن خلال جنازة أستاذه يوسف شاهين (رويترز)
TT

لم تكن الشعارات التي تعبر عن الوحدة الوطنية التي هتف بها البعض أمس في جنازة يوسف شاهين، مجرد خطب عشواء، أو هبة من الفراغ. فطيلة عمره الفني الذي حفل بالعديد من المعارك وتلقي السهام، والمنازلات التي وصل صداها لساحات القضاء، لم يعرف يوسف شاهين سوى لغة واحدة هي لغة «الحب»، بل كان ينفر كثيرا من كلمتي التفاؤل والتشاؤم، متمنيا أن نستبدل بهما كلمة «الأمل». وفي أقصى لحظات غضبه كان يصرخ «أنا انتقم بالحب لأنني إذا كرهت أحدا سأحطم رأسي»..

وفي كل أوجه وأقنعة شاهين السينمائية كان قناعه الأول مصريته وعروبته، فجسد حلم الإنسان العربي في التحرر من نير الاستعمار والظلم واستعباد العقل في أفلام فارقة في تاريخ السينما مثل «جميلة» و«الناصر صلاح الدين» و«الأرض» و«المصير» .. وغيرها. لذلك لم يكن مستغربا أن تبلغ مصرية يوسف شاهين ذروة نصاعتها في مشهد رحيله، وأن يتساءل الكثير من المصريين: هل هو مسلم أم مسيحي، وفي أي جامع سيقام سرادق العزاء في المخرج الكبير؟!، وكأنهم طيلة تاريخه لم ينشغلوا سوى بأفلامه، وما تثيره من متعة متميزة، تفتح الحواس على نوافذ الدهشة والأسئلة والتأمل.

تحت ظلال هذا التسامح آمن شاهين بأفكاره ورؤاه ، وأنها سوف تبقى برغم ما يعتريها أحيانا من عثرات، فلا أحد ـ في تصوره ـ يمكن أن يقمع أو يصادر الفكر لأنه وعلى حد قوله «الفكر له أجنحة لا يمكن لأحد أن يمنع طيرانه». ومثلما كان ينظر إلى الفن وكأنه ثمرة من ثمرات الطفولة عاش يوسف شاهين، الحياة بطفولة شديدة، أحبها بكل تناقضاتها وتحولاتها وفوضاها، وكان من لحظات سعادته حين يغادر موقعه كمخرج من أمام الكاميرا ليعانق نزق الطفل فيه مجسدا أحد الأدوار الإنسانية المركبة مثل دور «قناوي» المختل عقليا ضحية الفقر والكبت والجوع في فيلمه الشهير «باب الحديد». هذا الحضور في سمت الممثل لطالما ناوش شاهين في عدد من أفلامه، وبرز على نحو لافت في بعض المشاهد القصيرة المؤثرة في أفلامه الأخيرة والتي اتسمت بطابع السيرة الذاتية مثل «إسكندرية كمان وكمان»، مجسدا شكلا من أشكال المواءمة الخلاقة، ينصهر فيها وعي الممثل بوعي المخرج. ولعل هذه المواءمة كانت من أهم السمات التي ميزت شخصية يوسف شاهين الفنية، وميزت في الوقت نفسه قدرته على صناعة المشهد السينمائي بلغة وحرفية عالية، تعانق الواقع والمستقبل معا. وقبل كل شيء وضعته ضمن أفضل مائة مخرج في تاريخ السينما العالمية.