أجنبيتان عالجتا أهالي أبوظبي فأطلقوا عليهما «ماما لطيفة» و«الدكتورة مريم»

ولي عهد أبوظبي ولد في المستشفى الذي كانتا تعملان فيه

الأمريكيان كينيدي أسسا أول مستشفى في أبوظبي («الشرق الأوسط»)
TT

طبيبة أميركية وممرضة كندية.. قدما قبل أقل من نصف قرن، عندما كانت الصحراء والحياة القاسية هي العنوان الرئيسي لحياة أهالي إمارة أبوظبي، كما هي حياة منطقة الخليج عموما، لكنهما عاشا معهم وتحدثا لغتهم وقللا من نسبة وفيات مواليدهم، فبادلهم أهل العاصمة الإماراتية الحب بالحب والعطاء بالوفاء. وللدلالة على العلاقة القوية بين الدكتورة ماريان كينيدي والممرضة جيرترود ديك، فقد أطلق أهالي أبوظبي على الأولى الدكتورة مريم والثانية ماما لطيفة.

ليست قصة من فيلم سينمائي وليست رواية خيالية، إنما إحدى صور العلاقة المتميزة التي ربطت بين كثير من الغربيين الذين أستوطنوا مدنا خليجية قديما، أتوا من أجل مهام مؤقتة، فقضوا جل حياتهم في بلاد أصبحت بلادهم، وبين غرباء تحولوا فعلا إلى أهلا لهم.

فعندما قدمت الدكتورة ماريان كينيدي أبنة الأربعة والثلاثين عاما إلى صحراء الجزيرة العربية، لم تكن تعلم وهي تعالج المرضى بالأساليب البدائية، أنها ستترك أثرا وبصمة في حياة أكثر من أربعة وثمانين ألف رجل وامرأة، هم أبناء الإمارات الذين ولدوا في أول مستشفى في أبوظبي، وهو مستشفى الواحة في مدينة العين الواقعة في واحة البريمي.

غير أن الدكتورة ماريان كينيدي توفيت مؤخرا عن عمر يناهز 84 سنة في مدينة كارميكايل بولاية كاليفورنيا الاميركية، بعد أن وضعت لبنة أولى في تطوير القطاع الصحي بالإمارات، ظلت تعالج أبناء الإمارات، والمناطق المحيطة بها، لمدة عقد كامل قبل أن يفتتح أول مستشفى حكومي في إمارة أبوظبي.

ويتذكر الاماراتيون جيدا «الدكتورة مريم»، عندما قامت برفقة زوجها بات كينيدي بتأسيس مستشفى الواحة بمدينة العين في نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1960 والذي يعتبر الاول في مجال الرعاية الصحية في أبوظبي.

يقول الدكتور سلطان النعيمي، أحد أبناء مدينة العين، إن «الدكتورة كينيدي» و«ماما لطيفة» كانتا أكثر من دكتورة وممرضة فحسب «وربما كانتا أقرب إلى كونهما أحد أفراد عائلة كل فرد في مدينة العين.. قدمتا خدماتهما لعقود طويلة، فبادلهما أهالي أبوظبي وفاءهما بتكريم يستحقانه». ولأن الدكتورة (مريم) كينيدي، والتي كانت تتقن اللغة العربية واللهجات المحلية بطلاقة، لها وضعها الخاص بين أهالي أبوظبي، ولم ينسوا فضلها طوال تلك السنوات، فقد نالت جائزة ابوظبي في نسختها الاولى عام 2005، وكان لافتا أن من قدم لها الجائزة هو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد ابوظبي ونائب القائد الاعلى للقوات المسلحة الذي ولد هو نفسه في مستشفى الواحة. مستشفى الواحة الذي أسسه الزوجان كينيدي هو مستشفى خيري ليس هدفه الربح، بدأ في مزاولة علاجه في نوفمبر 1960 بدعوة من الراحل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان وأخيه الحاكم السابق الشيخ شخبوط. حيث أنشئ المستشفى في إحدى واحات مدينة العين، وكان مستشفى الواحة أول مستشفى في إمارة أبوظبي ومدينة العين وعرف باسم «مستشفى كندي». وقدم الخدمات الطبية في مواجهة تحديات شديدة كانت تفتك بالسكان.

وقبل أن تؤسس الدكتورة كينيدي مستشفاها في مدينة العين الصحراوية، 160 كلم شرق مدينة أبوظبي، شهدت أعداد الناس المواطنين تناقصا كبيرا في إمارة أبوظبي، حيث وصلت نسبة وفيات الأطفال الى 50% ونسبة وفيات الأمهات الى 35%، بالإضافة إلى الوفيات نتيجة الأمراض المستعصية مثل السّل، الملاريا، أمراض العيون، الطفيليات المعوية، مما جعل الحصول على عناية طبية متطورة حاجة ملحّة للغاية.

ومن سنة 1960 الى 1963، جهّز الدكتور بات وماريان وطاقمهما الطبي الصغير عبر أول عيادة طبية في بيت للضيوف، والذي منحهم إياه المرحوم الشيخ زايد. وشهدت المنشأة الطبية المؤقتة نموا سريعا من خلال بناء غرف للمرضى مصنوعة من أغصان النخيل. واكتسبت العيادة شهرة طبية واسعة استقطبت العديد من الأشخاص من قرى ومناطق أخرى حيث كانوا يأتون مشيا على الأقدام أو بواسطة الجمال بغية الاستفادة من العناية الطبية المميزة التي كانت توفرها.

أما الممرضة جيرترود ديك فقد أمضت 38 عاماً في مستشفى الواحة وكانت أحد أفراد الطاقم الرئيسي للمستشفى، وكما هي الدكتورة ماريان، أتقنت جيرترود ديك اللغة العربية، وتأقلمت مع الحياة البدوية في الواحة الصحراوية التي كانت عليها مدينة العين ولبست اللبس المحلي للسيدات في مدينة العين. وأشرفت «ماما لطيفة»، كما أصبحت تعرف، على ولادة أعداد كبيرة من أبناء المنطقة، بما في ذلك عدد من أبناء الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان.

واستمرت «ماما لطيفة» في خدمة المجتمع في مستشفى الواحة حتى عام 2000 لكنها ظلت في الإمارات حتى عام 2005 حين عادت إلى كندا بعد 43 عاماً أمضتها في الإمارات.