في مواجهة إغراء «ماك العملاق»

قللت زيادة سعر النفط استعمالهم للسيارات.. فهل تخفض زيادة سعر الطعام استهلاك الأميركيين له؟

مع ارتفاع اسعار الغذاء في العالم اتجهت الانظار في أميركا للوجبات العملاقة التي تقدمها مطاعم الوجبات السريعة (رويترز)
TT

مع زيادة اسعار الغذاء في العالم، وربما احساسا بالذنب، بدأ اميركيون يناقشون ثلاث ظواهر اولها كثرة الاكل في المطاعم، والتي، في احيان كثيرة، لا تقدم وجبات صحية. أما الامر الثاني فهو كبر حجم الصحون التي تقدمها بعض هذه المطاعم. ثالثا كثرة نسبة استهلاكهم للاكل بالمقارنة ليس فقط مع شعوب العالم الثالث، ولكن، ايضا، مع الاوروبيين.

وأمس الاول، نقلت وكالة «رويترز» ان لجنة في الكونغرس ستناقش انتشار السمنة وسط الاميركيين، وخاصة الاطفال. وكانت منظمة الطعام والزراعة التابعة للامم المتحدة (فاو) نشرت ارقاما بأن الاميركي، في المتوسط، يستهلك قرابة اربعة آلاف طاقة حرارية في اليوم، بالمقارنة مع اقل من ثلاثة آلاف طاقة حرارية يستهلكها الهندي.وقال الاميركي بول روبرتز، مؤلف كتاب «نهاية الطعام»: «كنا نناقش زيادة كميات الاكل التي نأكلها. لكن، الآن علينا مناقشة الموضوع من زاوية اخرى، وهي: هل توجد في العالم كمية كبيرة من الطعام لتكفي شهيتنا العملاقة؟ وشهيات غيرنا؟».

واضاف: «نعم، هناك صلة وثيقة بين كثرة اكلنا وزيادة سعر الطعام في العالم. واذا بدأنا نأكل اقل، ستنخفض هذه الاسعار. لكن، هل نقدر على اقناع انفسنا بذلك؟».

خلال الاشهر الثلاثة الاخيرة، اضطر كثير من الاميركيين الى تخفيض استعمال سياراتهم (بعد ان تضاعف، خلال هذه الفترة، سعر برميل النفط من سبعين دولارا تقريبا الى مائة واربعين دولارا تقريبا). وبنفس المقياس، يتوقع ان ينخفض استهلاك الاميركيين للأكل بعد ان ارتفع سعره بنسبة ستة في المائة تقريبا منذ بداية هذه السنة (في السنة الماضية، كانت النسبة ثلاثة في المائة). وصارت زيادة اسعار الطعام اهم عامل في زيادة نسبة الغلاء، والتي وصلت الى رقم قياسي لأول مرة منذ سنة 1990.

وفعلا، في الاسبوع الماضي، اصدر معهد «فود ماركيتنغ» (تسويق الطعام)، في واشنطن، ارقاما بان سبعين في المائة من الاميركيين قللوا عدد المرات التي يأكلون فيها في مطاعم. وان خمسين في المائة قللوا كميات الاكل والشراب التي يشترونها من المتاجر.

لكن، في الجانب الآخر، يتوقع ان تسبب زيادة اسعار الطعام في زيادة اكل الطعام غير الصحي، خاصة وسط الطبقة الفقيرة. وذلك لأن اللحوم الاميركية تميل نحو السمنة، سواء ابقار، او خراف، او دواجن (لأنها، مثل الاميركيين، تأكل اكلا كثيرا، وايضا اكلا غير صحي). لهذا، تزيد اسعار اللحوم الاقل شحما عن الاكثر شحما (بسبب تكاليف قطع الشحم من اللحم). ولهذا ايضا لا يقدر كثير من الفقراء (اغلبيتهم سود) على شراء لحوم صحية. ويظهر ذلك في كثرة استهلاك الفقراء للدجاج المقلي في الزيت، والهامبورجر كثير الشحم، والهوت دوغ الذي كله شحم تقريبا.

وتحدث عن هذه النقطة راج باتيل، اميركي هندي، ومؤلف كتاب «بطون ملآنه، وبطون فارغة: الحرب السرية في نظام توزيع الطعام في العالم». قال: «خلال الأشهر الماضية، زاد استهلاك «سبام» (لحم معلب فيه نسبة عالية من الدهنيات). وزاد استهلاك الاكل غير الصحي، سواء الذي به سكر كثير او دهنيات كثيرة. وبالنسبة للفقراء، لا بديل لذلك».

وايضا، تأثر اصحاب المطاعم العامة، وذلك لسببين: اولا: انخفاض عدد الذين يأكلون فيها. ثانيا: زيادة اسعار الطعام. وقال مايكل دوناهيو، متحدث باسم اتحاد المطاعم الاميركية، ان اسعار الجملة للمواد الغذائية والمشروبات التي تشتريها المطاعم ارتفعت بنسبة خمسة عشر في المائة في فبراير (شباط) الماضي، بالمقارنة مع نفس الشهر في السنة الماضية. لكنه قال ان اصحاب المطاعم في حيرة: هل يزيدون اسعار الوجبات، ويتحملون المزيد من الانخفاض في أعداد الزبائن؟ او هل يتحملون زيادة التكاليف لكسب مزيد من الزبائن؟ ويبدو انهم فضلوا الخيار الثاني، وذلك لأن اسعار الوجبات في المطاعم زادت بنسبة اربعة في المائة (بالمقارنة مع ستة في المائة لاسعار الاكل والشراب في المتاجر).

ويعتبر قطاع المطاعم واحدا من اهم القطاعات الاقتصادية في الولايات المتحدة، وذلك لان 133 مليون اميركي يأكلون في المطاعم كل سنة. هذه تجارة دخلها السنوي 500 بليون دولار ويعود ذلك لاغراء المطاعم، واعلاناتها، وصور وجباتها العملاقة، وصور بنات شقراوات يحملنها. كما ان الاكل في المطاعم اصبح ظاهرة اجتماعية اميركية تعكس ميل الاميركي العادي نحو الفردية والانعزالية وهو ما تفرضه عليه ساعات عمله التي تزيد عن اي دولة اخرى في الغرب.

واوضحت ارقام اتحاد المطاعم الاميركية ان الاميركي، في المتوسط، يأكل وجبة كل يوم في المطاعم، غير ساندوتش فطور «ماكمافن» في مطعم «ماكدونالد». او بيتزا للغداء في مطعم «بتزا هات». او عشاء عملاق (في صحون عملاقة) في مطعم «آوت باك».

لكن، لا يزال اصحاب المطاعم امام مأزق: هل يخفضون حجم الصحون والطعام (لمواجهة زيادة الاسعار) بدون ان يحتج الزبائن، ويقسمون الا يعودوا لذلك المطعم؟ او هل يبقون عليها (حتي اذا خسروا قليلا، مقابل استمرار وفود الزبائن)؟

راهنت على الخيار الثاني مارغو ووتان، مديرة قسم التغذية في مركز العلوم والمصلحة العامة في واشنطن، والمختص في العلاقة بين الطعام والصحة العامة. قالت: «لا اعتقد اننا سنتخلص من عادة المطاعم العملاقة والصحون العملاقة وقطع الاستيك العملاقة خلال فترة وجيزة، مهما كانت الاسباب. ربما بعد فترة، وربما قليلا قليلا». لماذا؟ لأن صاحب المطعم يصرف اقل على شراء المواد الغذائية بالمقارنة على ما يصرف على الطباخين، وايجار المحل، والاعلانات.

وكأن الرئيس بوش ليس متورطا في مشاكل كافية، لأنه، قبل شهر، تورط في هذا الموضوع. في مؤتمر صحافي في البيت الابيض، سئل عن اسباب ارتفاع اسعار الطعام. وربط ذلك بزيادة سعر النفط، والذي ربطه بزيادة السيارات في الهند والصين. وقال: «في الهند مثلا، زاد طلب الطعام الراقي الذي، طبعا، يكلف كثيرا».

وكأن الهنود لا يحتاجون لموضوع ينتقدون فيه بوش. هبوا وانتقدوه. واشترك في النقد الاميركي الهندي، راج باتيل، مؤلف كتاب: «بطون ملآنة، وبطون فارغة». قال: «سهل لوم المستهلكين في الهند، او في اميركا. لكن الحقيقة هي ان شركات الطعام والشراب، التي تجعل الربح هدفها الرئيسي، هي وراء المشكلة». وكان يمكن ان يشير، ايضا، الى المستثمرين والمضاربين في «فيوتشر كوموديتيز» (سوق مضاربات اسعار المحاصيل في شيكاغو). مثلما ان الذين في «وول ستريت» (شارع المال في نيويورك) من الاسباب الرئيسية وراء زيادة سعر النفط.