بعد لندن .. البندقية تحارب الحمام

قرار منع إطعام الحمام في ميدان سان ماركو يقسم الرأي العام الإيطالي

يأسف السياح الآن لأنهم لن يتمكنوا من التقاط الصور التذكارية مع الحمام في ساحة سان ماركو أو ساحة الدومو (رويترز)
TT

بدأت وكالة رويترز للأنباء عملها قبل قرنين باستعمال الحمام الزاجل والبرق لنقل الأخبار، لكن آخر أخبارها من مدينة البندقية (فينيسيا) الايطالية عبر الانترنت اليوم تقول إن مدينة الشوارع المائية وزوارق الجندول أصدرت أمرا بمنع إطعام الحمام الموجود بالمئات في ساحة سان ماركو الشهيرة، ما قسّم الرأي العام في ايطاليا الى قسمين متعارضين بين مؤيد ومعارض، وربما سبب جرح سائحة انكليزية شابة بعد انهيار شرفة فندق كريستالو أمس اثر ملاحقتها للحمام الطائر من الشرفة. ميلانو سبقت فينيسيا اذ قررت بلديتها في أول العام منع تقديم حبات الذرة لإطعام الحمام المتكاثر في ساحة الدومو بوسط المدينة لكن نشطاء البيئة تحدوا سلطة البلدية منذ اسبوعين ووزعوا خمسين كيلوغراما من البذور والحبوب لكي تتمتع الحمائم بوجبة غذائية تقيها شر الانقراض.

المشكلة التي تواجه ميلانو والبندقية هي روث الحمام الذي يسبب المخاطر الصحية لأن بعض الفطريات تكمن فيه وتسبب أحيانا التهابات مرضية لبعض الناس من عوارضها التعب وارتفاع الحرارة والألم في الصدر. تنظيف زجاج السيارات من روث الحمام لا يعرض الانسان للخطر لكن بعض العاملين في تنظيف الطائرات وخاصة مراوح المحركات التي تصطدم بالطيور أثناء تحليقها أصيبوا بنوع خاص من الحمى. في القرون الماضية كان روث الحمام يستعمل كسماد طبيعي لكن المزارعين في ايطاليا وغيرها من البلدان يشتكون هذه الأيام من الالتهابات التي يجلبها الحمام في بعض الحالات التي لا يمكن تفسيرها.

يأسف السياح الآن لأنهم لن يتمكنوا من التقاط الصور التذكارية مع الحمام في ساحة سان ماركو، أو ساحة الدومو بميلانو، كما يأسف باعة الذرة من إقفال سوقهم وعرباتهم لبيع بضع حبات من غذاء الحمام بسعر يصل الى يورو (أو أكثر من دولار ونصف الدولار) ما يعني ألف يورو يوميا. قال ماسيمو كاشاري عمدة البندقية اليساري منذ أشهر إن عدد الطيور المنتشرة في سماء المدينة يصل الى عشرين ألفا في الكيلومتر الواحد، أي أربعين مرة أكثر من الحد الأقصى المقبول، ويتركز وجود الحمام على ساحة سان ماركو التي ستكون استثناء لقرار منع إطعام الطيور نظرا لأهميتها السياحية، لكن المجلس البلدي قرر أخيرا أن يشمل قرار المنع كافة أجواء المدينة وما زال يتداول قضية الرخصة الممنوحة لباعة الذرة وتعويضها برخصة جديدة تسمح لهم ببيع الهدايا التذكارية بعد أن رفض المجلس الاقليمي لمنطقة فينيتو وعاصمتها البندقية كيفية التعويض على الباعة المتضررين من قرار المنع.

الجميع يتفق أن الحمام هو من أذكى الطيور، فهو ينقذ الغرقى في البحر ويتعرف على الألوان بل حتى على عدد من الأحرف الأبجدية، ودل آخر الأبحاث العلمية في الأسبوع الماضي أن ذكاء الحمام بفوق ذكاء طفل في الثالثة من العمر إذ تمكن الحمام بعد رؤية فيلم فيديو أن يتعرف على نفسه وحركاته مما يصنفه مع بعض الحيوانات الأخرى التي تتعرف على نفسها من الصورة كقرد الشمبانزي والدلفين والفيل. ومن يدري، لعل حمام البندقية يجد حلا مبتكرا لغذائه بعد أن تعبت السلطات البلدية والقانونية من ايجاد الحل على الطريقة الايطالية الملتوية التي قسمت الناس بين اليمين واليسار وأنصار الصحة ومؤيدي حماية البيئة والكائنات الحية التي تشارك الانسان في الطبيعة التي خلقها الباري.

> الحمام ممنوع أيضا في ساحة الترافالغر ويعيد الحادث للأذهان القرار الذي أصدره كين ليفنغستون عمدة لندن السابق في عام 2003 بمنع إطعام الحمام في ساحة ترافالغر الشهيرة، وهو القرار الذي أثار الكثير من الاستياء بين المدافعين عن البيئة واصحاب محال بيع طعام الحمام. وكان ليفنغستون قد اصدر القرار في إطار عملية ترميم للميدان الاشهر وصلت تكلفتها الى 25 مليون جنيه استرليني، وقال العمدة حينها، مدافعا عن حملته ضد الحمام، إن مخلفات الطيور أضرت بالميدان وبالتماثيل الموضوعة فيه وخاصة تمثال نلسون. ولم يمنع القرار البعض من الاستمرار في إطعام الحمام كنوع من الاحتجاج ضد القرار وهو ما دفع البلدية بإصدار قرار آخر في عام 2007 بمنع المشاة من رمي المأكولات والكعك والخبز على الارض بغرض إطعام الحمام.