كشفت خديجة طنانة، الفنانة التشكيلية المغربية عن وجه فني آخر، هو وجه الكاتبة المسرحية، بعد أن أبدعت أخيرا نصا مسرحيا بعنوان «طاطا مباركة»، استلهمته من اجواء مسقط رأسها في مدينة تطوان (شمال المغرب) منتصف الخمسينات من القرن الماضي. وكانت كل شخوص المسرحية التي قدمتها جمعية «أكواريوم» أخيرا على خشبة مسرح محمد الخامس في الرباط، متكونة من النسوة، ابتداء من المؤلفة طنانة، ومرورا بالممثلات السبع، ونعيمة أوالمكي المكلفة التواصل والعلاقات، ووصولا إلى المخرجة نعيمة زيطان، باسثتناء رجل واحد فقط، هو يوسف العرقوبي، الذي قام بوضع السينوغرافيا للمسرحية.
تجري أحداث المسرحية في بيت تقليدي اندلسي لأحد الحكام السابقين، تؤثثه نسوة لا يتوقفن عن الحركة والثرثرة والنميمة بلكنتهن الشمالية، ويمارسن كل ما يمكن أن يقوم به أي مجلس نسوي، من دعابات ومزاح، وموسيقى ورقص، وخصام وتصالح، واصطدام في الأفكار بين جيل محافظ متشبث بالتقاليد، وجيل جديد متعلم يحاول أن يكسر بعض القيود. كل ذلك وهن يتهيأن لإعداد أطباق من الحلوى، استعدادا لاستقبال مولود جديد. وبقيت طاطا مباركة، التي حملت المسرحية اسمها، وهي امرأة مغربية سوداء اللون، خادمة في البيت، صامتة في خلفية العرض المسرحي على الخشبة، وراء الستائر المسدلة، تراقب الجميع، وهي تئن في صمت ومكابرة، لكنها في الجزء الأخير من المسرحية تنفجر، لتعبر بأعلى صوتها عن معاناتها، مستحضرة شريط ذكرياتها المريرة، منذ أن تعرضت للخطف من ملعب صباها، على يد مجموعة من الرجال، وهي في سن الرابعة من عمرها، دون أن تفرح بطفولتها، لتباع في سوق النخاسة.
تتذكر طاطا مباركة من خلال حوار داخلي، كيف انها بقيت متنقلة من بيت إلى بيت آخر، عرضة لكل أنواع الاستغلال. استغلال جسماني من طرف النساء في أشغال البيت، واستغلال جنسي من طرف ذكور العائلة.
كانت لحظات الحكي على لسان طاطا مباركة من أكثر اللحظات وأقواها عمقا، أدتها الممثلة الشابة حسناء طمطاوي بكامل الاندماج والتفاعل مع الدور، لدرجة الانصهار فيه. وفسرت صاحبات العرض إثارتهن لموضوع العبودية، بكون الظاهرة بقيت متفشية في المجتمع المغربي حتى أواخرعقد الخمسينات من القرن العشرين، حيث كانت أسواق النخاسة موجودة يباع فيها العبيد. وأضفن في ورقة تقديمية للمسرحية، أنهن أردن التركيز على «إعادة قراءة لحظة زمنية، حيث التربية والعلاقات كانت تركز على قواعد صارمة، أغلبها لا يخضع لأي منطق معقول». وأشرن إلى أنهن أحببن «الكشف عن تناقضات ظهرت داخل المجتمع المغربي بعد فرض الحماية عليه» من طرف الاستعمار الإسباني، وأن ذلك كله في نظرهن يدخل في إطار «محاولة فهم الماضي فهما صحيحا من اجل بناء المستقبل على أسس متينة وقوية». وقالت الرسامة خديجة طنانة لـ«الشرق الأوسط» إن النص في الأصل كان عبارة عن خاطرة أدبية صغيرة، فاقترحت عليها صديقتها المخرجة نعيمة زيطان تحويلها إلى مسرحية، استغرقت طنانة في كتابتها أربعة شهور، وهي المدة التي لم تكن تستطيع الرسم خلالها بعد خضوعها لعملية جراحية إثر إصابتها بالسرطان. وأوضحت أن الهدف من وراء تلك المسرحية، هو رصد التحولات التي وقعت في المجتمع المغربي. ولاحظت طنانة بأسف شديد، انه رغم انتفاء ظاهرة العبودية فإنها ما زالت مستمرة في العصر الحاضر بشكل اخر، مشيرة إلى ما تتعرض له الخادمات من انتهاك لحقوقهن على يد بعض العائلات المغربية، أو في بعض المعامل والمصانع.