ملابس براقة وموسيقى بهيجة.. ودبكة لا بد منها

في عرس كردي يحضره كل سكان القرية أو المنطقة

العروسان يتوسطان المدعوين في دبكة كردية كجزء من تقاليد الفرح («الشرق الأوسط»)
TT

تتميز مدينة السليمانية، ثاني محافظة في اقليم كردستان العراق، بانفتاح علاقاتها الاجتماعية، وبالتالي انفتاح الحياة فيها بطريقة تختلف عن باقي المحافظات العراقية، وهذا الانفتاح لا يأتي على حساب التقاليد والعادات الاجتماعية الكردية او العراقية.

وتبرر نرمين عثمان، وزيرة البيئة العراقية وابنة مدينة السليمانية، هذا الانفتاح بوجود جامعة السليمانية في قلب المدينة، والى التجارب الصعبة التي تعرضت لها المرأة الكردية خلال عقود من الزمن في مواجهة الحكومات العراقية من اجل ان تنال حريتها وتحصل على حقوقها. لهذا للاعراس في هذه المدينة طعمها الخاص، بالرغم من ان جميع الاعراس الكردية تتميز بالبهجة والموسيقى والدبكات الكردية المتنوعة، الا ان حفلات اعراس السليمانية غالبا ما يكون ضيوفها من كلا الجنسين، وتطغى البهرجة اللونية والموسيقية على أجواء الحفل.

وحفل العرس الذي شهدته «الشرق الاوسط» في مدينة السليمانية الاسبوع الماضي، لخص طبيعة احتفالات الاكراد بهذه المناسبات في الوقت الحاضر، كانت العروس رز(بفتح الراء) والاسم كردي يعني حديقة او مزرعة الكروم (العنب)، وهي ابنة الكاتب الكردي شيرزاد حسن، والعريس ارام دارو الشيخ نوري، وهو نجل نرمين عثمان وحفيد الشاعر الكردي المعروف، الشيخ علي.

يقول ارام «لقد انحسرت الزيجات القائمة على اساس عائلي فقط، فانفتاح العلاقات الاجتماعية اليوم ادى الى ان يلتقي الشاب بالمرأة المناسبة، والعكس صحيح، فشخصية المرأة الكردية لا تسمح اليوم باجبارها على قبول الزوج غير المناسب»، ولا تتوانى عروسه، رز، من التأكيد بان زواجهما جاء نتيجة علاقة تعارف ضمن حدود التقاليد العائلية والتي قادت الى الزواج.

وتشرح نرمين عثمان، العارفة بطبيعة المجتمع الكردي في مدينة السليمانية اسلوب الزواج «بأنه كان في السابق يتم داخل العائلة او العشيرة الواحدة، حيث يتزوج الشاب ابنة عمه او ابنة خاله او ابنة خالته، وكاي زواج تقليدي تقوم الأم وبعض نساء العائلة بخطبة الشابة من اهلها، او ان تكون الشابة قد سميت منذ صباها كخطيبة لابن عمها، وفي هذه الحالة لا تستطيع الشابة الزواج من أي رجل ما لم يتنازل ابن العم عنها»، مشيرة الى ان «هذه العادات ما تزال شائعة في المجتمع الكردي وخاصة في الريف حيث يشيع الزواج المبكر».

وتختلف عادات تجهيز العروس بين مدينة واخرى، فبينما ما تزال المرأة الكردية في دهوك تطلب كميات كبيرة من الذهب ومصاغة كحزام عريض يلتف حول الخصر اضافة الى الاساور والعقود والخواتم، فان هذه العادة بدأت تنحسر في مراكز اربيل والسليمانية، وهذا يعتمد بالدرجة الاولى على درجة ثقافة ووعي العروسين وعائلتيهما، وحسب ناشطة نسائية كردية فان «الشروط التي تفرض على العريس والتكاليف الباهظة جعلت نسب الزواج تتدنى بينما ارتفعت نسب العنوسة بين الجنسين، وخاصة النساء، اذ يمكن للشاب ان يتزوج من غير عشيرته او نساء مدينته او حتى من غير قوميته، فكثير من الاكراد اقترنوا بعربيات، وهناك العكس لكن نسبة الكرديات المتزوجات من عرب اقل بكثير، وهذا يعود الى تزمت الكثير من العوائل او العشائر الكردية التي تسمح للرجل ان يفعل ما يشاء وتحرم على المرأة ابسط حقوقها».

وحسب عثمان فان طبيعة المجتمع اليوم تسمح بقيام علاقات مشروعة اجتماعيا بهدف الزواج، مشيرة الى ان «الفكرة السابقة عن ان المرأة الكردية تطلب كميات كبيرة من الذهب قد انتهت ولم يعد لها أي مكان في الواقع الحياتي، وذلك بسبب الوعي الاجتماعي من جهة والأوضاع الاقتصادية الصعبة من جهة ثانية، ويكفي ان تقدم عائلة العريس هدية مناسبة وحسب وضعها الاقتصادي، من الذهب الى العروس، وهذا ما فعلناه نحن حيث ساعد على عقد هذا العرس هو انفتاح عائلة العروس ووعيها وثقافتها».

وتسبق حفلة العرس الرئيسة في الريف الكردي حفلات تتم في بيت العريس وفي بيت اهل العروس، وتكون الذروة يوم زفاف العروسين حيث يجتمع كل سكان القرية وربما سكان القرى المجاورة للمشاركة في هذه الفرحة، ويحضر الطبال والزمار للعزف مباشرة لساعات طويلة بينما يصطف الجميع لرقص الدبكة الكردية، وغالبا يتم ذلك في البرية او على سفح جبل، وتمتد الحفلة الى ساعات طويلة بعد ان يتناول الجميع طعام العشاء.

في المدينة يختلف الامر فالعرس الذي حضرناه اقيم في واحدة من قاعات فنادق المدينة، ودعي اليه المئات من اقارب ومعارف العروسين، وتميز ببهرجة وكثرة ألوان الازياء الكردية التي تداخلت مع الازياء المعاصرة التي ارتدتها الشابات من الحسناوات الكرديات، «فالزي الكردي التقليدي مهم جدا ولا بد ان يكون لكل شابة كردية عدد منه وبمختلف الالوان، لكننا احيانا نميل وفي مثل هذه الحفلات الى ارتداء ازياء معاصرة لتساعدنا على الحركة لا سيما خلال الدبكة الكردية»، هذا ما تشرحه شابة كردية وهي احدى صديقات العروس.

لقد عرف عن المرأة الكردية عشقها للألوان، وخاصة ألوان الازياء التقليدية التي تعكس تمسك المرأة بالطبيعة، فطبيعة الحقول البرية التي تنتشر فوق الجبال خاصة في فصل الربيع تتنوع بألوان زهورها التي تبدأ بشقائق النعمان الحمراء ولا تنتهي بزهور البابونج الصفراء، وترمز انعكاسات الضوء على الاقمشة اللماعة الى نور الشمس الساطعة في كردستان، اذ ان الشمس هي رمز وطني ايضا وتم تثبيتها فوق الوان علم الاقليم.

من حيث الطقوس لا تختلف عما هو شائع في الزيجات العراقية سواء كانت في جنوب او وسط العراق او في كردستان (الشمال)، اذ تتم الخطوبة عائليا وخلالها يحدد كل ما يتعلق بتفاصيل الزواج والحياة القادمة للعريسين.

وتوضح نرمين عثمان قائلة «الشباب عادة يفضلون الانفصال عن العائلة من حيث اقامتهما والاستقلال ببيت لهما كي يكونا حياتهما بعيدا عن العائلة الاصلية، هذا اذا سمحت ظروفهما الاجتماعية بذلك»، منوهة الى ان «الاوضاع الاقتصادية اليوم تقف حائلا بوجه الكثير من الشباب والشابات لغرض الزواج وبناء حياتهم».

ولكن في ايام الخميس والجمعة عادة ما تلاحظ سيارات مزهوة بألوان الورود وهي تقطع شوارع السليمانية لتعلن عن زيجات جديدة، فالأوضاع الاقتصادية اليوم افضل بكثير مما كانت عليه السليمانية، كما ان الشعور بالاستقرار الامني والحياتي وتوفر فرص العمل دفع الكثير من الشباب الى الزواج، يرافق ذلك ان حكومة الاقليم تمنح قطع أراض سكنية للموظفين مع قرض بناء.

الزواج الكردي لا يكتمل الا بالدبكات الكردية، ويطلق على الدبكة الكردية تسمية (رش بلك) وتعني عندما تختلط او تتداخل كل الالوان. والدبكة كذلك حيث تتشابك خلالها الايدي من كلا الجنسين ومختلف الاعمار، وتتداخل فيها الالوان معبرة عن التلاحم والتكاتف، لتتحرك الاجساد مسترخية مع انغام الموسيقى الكردية التي تبعث البهجة والتفاؤل والأمل في النفوس، وحسب كاكة محمود فان الزواج لا يكتمل إلا بالدبكة.