روسيا تشيّع غداً ألكسندر سولجنيتسين

«المعول الأدبي» الفعّال في هدم الشيوعية

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أثناء تكريم سولجنيتسين عام 2007 (أ ب)
TT

توفي فجر أمس عن عمر يناهز 89 عاما، الأديب الروسي الكبير ألكسندر سولجنيتسين، حامل جائزة نوبل للآداب عام 1970، الذي كان يعد أحد كبار رموز التمرد على النظام الشيوعي السوفياتي، وأحد أبعد الكتاب الروس أثراً في هدم هيبة هذا النظام. وأعلن في وقت لاحق مسؤول في بطريركية موسكو الأرثوذكسية، أنه سيوارى الثرى غداً الاربعاء في مقبرة دير دونسكوي في العاصمة موسكو، وفقا لوصيته. واحترم بطريرك موسكو وعموم روسيا البكسي الثاني هذه الرغبة. وتوفّي سولجنيتسين، إثر نوبة قلبية، وفقا لما أورده ابنه ستيبان، في منزله بشمال غربي موسكو، حيث عاش سنواته الأخيرة في صحة متدهورة وعلى كرسي متحرك في شبه عزلة. في حين تحدثت مصادر عن أنه لم يشاهد في العلن منذ شهور، كما أفادت تقارير غير مؤكدة أن سبب الوفاة سكتة دماغية أصيب بها، بينما تحدثت مصادر أخرى عن أنه كان يعاني من مرض خطير منذ عدة شهور.

* القيمة الأدبية والسياسية

* لدى تقييم أعمال ألكسندر سولجنيتسين نجد أنه من الصعوبة بمكان، الفصل بين الأدب والسياسة في هذه الأعمال. فقد انطلق الكاتب الراحل إلى العالمية بفضل المؤلفات التي أزاحت الستار عن معسكرات الاعتقال والعمل الإجباري تحت جهاز «الغولاغ» ـ الإدارة العليا لمعسكرات العمل الإصلاحية ـ التي كان يزجّ بالمنشقين السياسيين فيها، ولا سيما كل من يعترض على ممارسات الزعيم الشيوعي السابق جوزيف ستالين. وكان الكتاب الأبرز في هذا الموضوع «أرخبيل الغولاغ» الذي نشر عام 1973 أي بعد ثلاث سنوات من منحه جائزة نوبل للآداب، وقد سبقته روايات مهمة في الاتجاه نفسه بدأت مع نشر «يوم من حياة إيفان دينيسوفيتش» حول حياة مواطن عادي معتقل في معسكرات «الغولاغ»، نشرت في المجلة الادبية «نوفي مير»، في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) 1962 إبان عهد الزعيم الشيوعي نيكيتا خروتشوف، الذي قاد انقلاباً حقيقياً على تركة ستالين. وواصل سولجنيتسين حملته ضد استمرار وجود معسكرات الاعتقال. وكتب روايتيه التاليتين «جناح السرطان» و«الدائرة الأولى» اللتين لم توزعا إلا عبر الشبكة السرية التي كانت تروّج في الخارج لإعمال المنشقين السوفيات. ولكن ضمن أجواء «الحرب الباردة» حققت الروايتان نجاحاً كبيراً، وهكذا صار سولجنيتسين علماً من أعلام الأدب في عيون الإعلام الغربي، وهو ما أهله عام 1970، بعد مرور سنتين من قمع «ربيع براغ» عام 1968 في تشيكوسولوفاكيا السابقة، للفوز بجائزة نوبل للأداب. ويومذاك أدى التأييد الرسمي والشعبي في الغرب لهذا الفوز، إلى عدول سولجنيتسين عن الذهاب الى السويد لتسلم الجائزة، خشية إقدام الكرملين في عهد ليونيد بريجنيف على منعه من العودة. غير أنه وفي ضوء تصلب سولجنيتسين في مواقفه المناوئة للسلطات ونشره «أرخبيل الغولاغ» في العاصمة الفرنسية باريس، وسط أصداء ترحيبية مدوية في الغرب، قرر الكرملين إبعاده إلى الخارج. وبالفعل غادر الاتحاد السوفياتي أولاً إلى سويسرا، ثم انتقل إلى الولايات المتحدة ليقيم لفترة في ولاية فيرمونت الريفية الصغيرة.

* نهاية «شهر العسل» مع الغرب

* في هذه المرحلة انتهى «شهر العسل» بين سولجنيتسين والرأي العام الغربي. فقد صدم الأديب الروسي التقليدي المحافظ المتشدد في «قوميته السلافية» ومسيحيته الأرثوذكسية، بليبرالية الغرب وماديته الاستهلاكية، وصدم صانعو الرأي العام في الغرب، ولا سيما المؤسسات الإعلامية الكبرى ودوائر المثقفين، وكذلك جماعات الضغط اليهودية، التي كانت في طليعة مناوئي موسكو في هذه الحقبة، بشخصية من صورته سابقاً على أنه «بطل لليبرالية» في وجه الطغيان الشيوعي الشمولي. وبالتالي كان من الطبيعي عام 1994، بعد خمس سنوات من سقوط «جدار برلين» وثلاث من انهيار الدولة السوفياتية أن يعود سولجنيتسين الى روسيا الجديدة، مع أنه وجد صعوبة في التأقلم مع الواقع الجديد لحقبة ما بعد الشيوعية، وأبدى إعجاباً مبكراً بالزعيم الروسي فلاديمير بوتين. ومع أن الحكومة الروسية كرّمت سولجنيتسين عام 2007 بمنحه أرفع أوسمتها، وهو «جائزة الدولة الروسية»، واعتبره كثيرون اديباً وكاتباً عالمياً عظيماً، فإنه بقي وموهبته الادبية عرضة لآراء متباينة، منها رأي الكاتب الروسي المنشق سابقاً فلاديمير فوينوفيتش، الذي يعتبر أن نبوغ سولجنيتسين «المزعوم مجرد وهم».

* سيرة شخصية

* ـ ولد ألكسندر سولجنيتسين يوم 11 ديسمبر (كانون الأول) 1918 في بلدة كيسلوفودسك شمال القوقاز، واعتنق في سنوات فتوته، المثل الثورية للنظام الشيوعي الناشئ ودرس الرياضيات. ـ حارب ضد القوات الألمانية التي هاجمت روسيا عام 1941. ـ حكم عليه عام 1945 بالحبس لمدة ثماني سنوات في معسكر اعتقال وعمل إصلاحي، بعد انتقاده كفاءة ستالين الحربية في رسالة الى احد اصدقائه. وطبعت هذه التجربة سيرة حياته حتى النهاية. ـ أفرج عنه في 1953 قبل بضعة اسابيع من وفاة ستالين، ونفي الى آسيا الوسطى، حيث بدأ الكتابة، ثم عاد الى الجزء الاوروبي من روسيا ليعمل مدرّساً في ريازان (على بعد مائتي كيلومتر من موسكو).

ـ نشرت عام 1962 روايته «يوم من حياة إيفان دينيسوفيتش» في المجلة الأدبية «نوفي مير» 1962 بمواقفة من الزعيم الشيوعي الجديد نيكيتا خروتشوف.

ـ عام 1964 منعت أعماله في بداية عهد ليونيد بريجنيف.

ـ عام 1968 نشرت روايتاه «جناح السرطان» و«الدائرة الأولى» خفية في باريس.

ـ منح جائزة نوبل للآداب عام 1970.

ـ عام 1973 نشر كتابه الأشهر «أرخبيل الغولاغ» لأول مرة.

ـ عام 1974 نفي إلى ألمانيا الغربية ومنها إلى سويسرا حيث عاش لبعض الوقت، ثم غادر ليعيش في الولايات المتحدة. ـ عام 1994 عاد إلى روسيا، ليستقر نهائياً.

ـ عام 2007 منحه الرئيس فلاديمير بوتين «جائزة الدولة الروسية».

* قالوا عنه

* ـ «إن وفاة الكسندر سولجنيتسين خسارة كبيرة لكل روسيا. نحن فخورون به كمواطن (روسي).. وسنتذكره كشخصية قوية شجاعة وجليلة ملتزمة بمثل الحرية والعدالة والإنسانية».

(الزعيم الروسي فلاديمير بوتين رئيس الوزراء الحالي).

ـ «الكسندر سولجنيتسين اجتاز محناً صعبة على غرار الملايين من مواطني البلاد.. وكان من أوائل المتكلمين بصوت عال عن الطابع اللانساني للنظام الستاليني، ومن أوائل الذين عرفوه لكنهم لم ينكسروا».

(الرئيس السوفياتي السابق ميخائيل غورباتشوف).

ـ «لقد عاش حياة صعبة.. وانما سعيدة. عندما يتحدد موعد ومكان الجنازة سنبلغ جميع من عرفوه شخصياً، ان كانوا يرغبون في القاء تحية الوداع عليه». (ناتاليا زوجة سولجنيتسين). ـ «ألكسندر سولجنيتسين المولود بعد عام من الثورة الروسية، جسد المعارضة، طيلة سنوات الرعب السوفياتي الطوال، وهو الذي فتح أعين العالم على حقيقة النظام السوفياتي، عندما أعطى تجربته بعداً عالمياً...».

(الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي).

ـ «ألكسندر سولجنيتسين أديب عظيم، ومواطن كان له هدف».

(المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل).