محلات بيع الملابس المستعملة في البلقان.. حل لمواجهة غلاء المعيشة

زبائنها من كل طبقات المجتمع

تعود تجارة الملابس القديمة في البلقان إلى عهود سابقة.. وقد ازدهرت خصوصاً في أعقاب الحرب العالمية الثانية (أ.ب)
TT

يتندر أهالي البلقان على متاجر بيع الملابس القديمة، التي تشهد اقبالاً كبيراً، إذ جرت العادة أن تقول بعض النساء لبعضهن هيا بنا إلى «محلات عروض الأزياء». «الشرق الأوسط» زارت بعض متاجر الملابس القديمة وتحدثت، مع عدد من الباعة والزبائن. وقالت منورة، 48 سنة، وهي واحدة من باعة الملابس في ضاحية اليجا: «أعمل منتصف نصف سنة في هذا المتجر الخاص بالملابس القديمة، والناس يأتون من كل مكان، سواء أكانوا سكان المدينة أم الوافدين من القرى». وعند سؤالها عما إذا كانت النساء أكثر إقبالاً على شراء الملابس القديمة من الرجال؟ أجابت «النساء أكثر.. وأحيانا تشتري النساء للرجال ولأطفالهن أيضاً».

ليليانا، 45 سنة، من الزبائن، تقول: «سبب الاقبال الرئيسي ضعف الطاقة الشرائية وغلاء أسعار الملابس الجديدة، وجميع السلع الاستهلاكية الأساسية، فالراتب لا يكفي لحياة طبيعية».

وحول ما يقال عن وجود ماركات عالمية تدفع الناس للإقبال على الملابس المستعملة، قالت ليليانا لـ«الشرق الأوسط» في ردها «نعم، هذا صحيح، ولكن الأغلبية يأتون لأنها في متناول طاقتهم الشرائية، فبإمكاني شراء قطعة ملابس بـ5 يوروات، لكنني لا أستطيع شراءها وهي جديدة بـ100 يورو مثلاً». أما مائدة، 35 سنة، فقالت إنها تقبل على شراء الملابس القديمة، لأنها «من ماركات عالمية وجميلة ورخيصة دائماً». وعما اشترته اليوم، قالت «لقد اشتريت قميصاً وبنطلوناً وملابس صيفية». وحول ظروف العمل في السوق تقول البائعة زوزان، 37 سنة: «لا مشاكل مع الناس فهم مرتاحون للأسعار ولنوعية السلع، وجودتها وأسعارها الرخيصة». وعن نوعيات الزبائن أكدت أن «الأغنياء ينافسون الفقراء على الملابس المستعملة، وهناك ممثلون وممثلات وموظفون في التلفزيون ومديرون يأتون ويشترون من عندنا». وتتراوح أسعار الملابس القديمة بين نصف يورو و7 يوروات فهناك قمصان بنصف يورو، وكذلك بنطلونات وسراويل رجالية ونسائية بنفس السعر. أما الأسعار فهي ثابتة كما أكّد جميع الباعة. بطبيعة الحال، هناك جانب نفسي متعلق بشراء ملابس مستعملة. فثمة من يقدم على الدخول هذه المتاجر وشراء الملابس القديمة من دون عقد، بينما هناك مَن يخجل من أن يشاهده أحد بداخلها. ولذا تقول وزيرة، 52 سنة، أنها تأتي إلى متاجر بيع الملابس القديمة، من دون علم زوجها وابنها. ,تعود تجارة الملابس القديمة في البلقان إلى عهود سابقة، ولقد ازدهرت خصوصاً في أعقاب الحرب العالمية الثانية، وصار لها سوق كبيرة في الدول التي أنهكتها الحرب آنذاك، وأفقرت شعوبها، ودمرت وسائل الانتاج فيها. وبدأت هذه التجارة بخطوات بطيئة، لكنها أصبحت الآن ركيزة من ركائز الاقتصاد، ومصدر ثروة للعديد من الأشخاص والشركات الغربية التي طورت برامج عملها وفق التقنيات الحديثة. وتستحوذ الشركات الغربية المصدّرة على نصيب الأسد من عائدات تجارة الملابس المستعملة بنسبة 80%، وفق بعض تقديرات الجهات التي التقتها «الشرق الأوسط». ولكن للأسف فإن تعاطي البعض مع هذه التجارة، رسمياً وشعبياً، لا يزال بدائياً، حيث لا يصار إلى تعقيمها قبل توزيعها. ففي بعض الدول، كمصر، التي انتشرت فيها أسواق الملابس المستعملة بعد الحرب العالمية الاولى، عندما اشترى بعض التجار مخلفات الجيش البريطاني من ملابس وأحذية بغرض الاتجار فيها، حظرت وزارة التجارة الخارجية والصناعة استيراد الملابس المستعملة، ووضعت رسوماً تصل إلى 40%، بحجة أن هذه الملابس لا تتوافر فيها الشروط الصحية والضمانات المتوافرة في الاسواق الغربية. وفي المقابل، لا تزال أسواق الأردن والمغرب وتونس، بل شوارعها، مليئة بباعة الملابس القديمة إلى حد الاختناق. ويشرح الباحث في علم الاجتماع رمضان كومار الحالة التي وصفها بأنها «تجاوزت مرحلة الظاهرة، إلى حالة عامة وواقع ملموس منذ عقود طويلة». فقال لـ«الشرق الاوسط» إنه «مع ازدياد نسبة البطالة وتدني الأجور وارتفاع أسعار المواد الأساسية، يزداد لجوء الناس لأسواق الخردة والملابس المستعملة، على الرغم مما في ذلك من أخطار على الصحة العامة. إذ لا يعرف ما إذا كان صاحب تلك الملابس، معافى وسليماً صحياً أم مصاباً بمرض معد». ويؤكد ذلك «ما ذكرته بعض التقارير عن انتشار أمراض لم تكن معروفة، ولا سيما الحساسية وغيرها من الأمراض الجلدية». وبصفة عامة يقبل الناس على شراء الملابس المستعملة لثلاثة أسباب، هي: الفقر والسعي وراء الماركات العالمية، والتقليد للآخر. ولهذا لم يعد الدخول إلى الأسواق الشعبية مثار حرج ودليل تدني المستوى الاجتماعي لرواده، وخاصةً بعدما أصبح الأغنياء وبقية طبقات المجتمع منافسين للفقراء. وينطبق هذا الوضع على معظم الدول التي لا تزال تنتشر فيها مثل هذه التجارة.

وقال الدكتور نذير عمروفيتش لـ«الشرق الأوسط» أنه يجب «الانتباه والحذر عند شراء الملابس المستعملة، إذا كان لا بد من اقتنائها بسبب الفقر. إذ يجب ضمان تعقيمها لأنها تنقل الأمراض التناسلية، وبعض الأمراض الجلدية. وينطبق هذا أيضاً على لعب الأطفال، كما يقول تقرير طبي و«لتلافي أخطار الملابس المستعملة، ولعب الأطفال القديمة التي تباع معها جنباً إلى جنب، على الباعة أو مشتريها غسلها بالبخار وتعقيمها بالمعقمات الطبية المعروفة، تحاشياً لأي خطورة مرضية قد تكتنف الدمية أو غيرها، والتي لا نعرف مصدرها والتي تصلنا من كافة دول العالم وعبر القارات، وتمر بأماكن قد تكون موبوءة، وهو ما يصعّب تحديد الأمراض التي تحملها. في هذه الأثناء يرى التاجر الأردني محمد الدهامشة، الناشط في تجارة الملابس المستعملة، وله متاجر لبيعها في البلقان «يوجد في جميع الدول الغربية محلات لبيع الملابس المستعملة، وبالتالي فهذه المهنة ليست تجارة خاصة بالدول الأفريقية والآسيوية، كما أن زبائنها من كل طبقات المجتمع، الأغنياء والفقراء على السواء». وتابع الدهامشة «هناك وزراء وأغنياء وشخصيات كبيرة تشتري بعض ملابسها من سوق الملابس المستعملة». وعن الجودة أجاب: «هناك درجات، الأولى والثانية والثالثة، والأخيرة تصدّر للعالم الثالث، ولكل درجة أسعارها الخاصة». وحول ما يقال عن إقدام بعض العاملين في السوق بغسل وكي الملابس المستعملة لتبدو كأنها جديدة، نفى الدهامشة ذلك نفياً قاطعاً، وقال: «إن غسل الملابس لا يرفع من قيمة السلعة». وكشف عن وجود مستويات مختلفة لنوعية البضاعة حتى في الدول الغربية نفسها، «فما يعرض في المدن أفضل من المعروض في الريف، وما يوزّع في أوروبا، أفضل من النوعيات التي تصدر لأفريقيا وآسيا مثلاً». ثم ذكر أن الملابس الواردة من ألمانيا، تمثل أفضل ما يصدّر من ملابس مستعملة من الدول الغربية. وعن الأخطار الصحية التي يتحدث عنها الأطباء ووسائل الإعلام، قال إن «الملابس التي تصدّر إلى الخارج تمثل خطراً حقيقياً، ولكن تلك التي توزّع في الدول الأوروبية، وتمثّل نسبة 20% من الملابس تخضع للتعقيم لدرجة حرارة معينة تقتل جميع الجراثيم».