صيدا: التنقيب يكشف كنوزا من الآثار ويفتح صفحات من التاريخ

جديدها اكتشاف هيكل محارب كنعاني... والموقع يشرّع أبوابه نهاية الشهر

TT

لطالما اشتهرت مدينة صيدا على الساحل اللبناني بتاريخها العريق، لكن لم يتسنَّ لأحد الاطلاع على اي من حقباتها التاريخية أو آثارها المطمورة بين الرمال والابنية السكنية. ولم يكن بالامكان الاطلاع على اي مكتشفات موثقة في الكتب. كل ما في الامر مقتطفات من هنا وهناك وأخبار صغيرة تنشر في وسائل الاعلام بين فترة وأخرى. أما اليوم وبفضل التنقيب الذي بدأ منذ العام 1998، بتمويل من المتحف البريطاني، فالصورة اخذت تتوضّح شيئا فشيئا، لمدينة تزخر بالكثير الكثير من الآثار التي ترقى الى 3 آلاف عام قبل الميلاد. وقبل ايام اكتشف في موقع التنقيب «محارب كنعاني يعود الى 2000 عام قبل الميلاد مدفون في مقبرة من الطين مع عتاده ومجوهراته وأختامه»، كما اوضحت مديرة البعثة البريطانية للتنقيب الدكتورة كلود ضومط سرحال في حديثها لـ«الشرق الاوسط». وقالت: «ما يميّز هذا الموقع انه يتيح التعرّف الى تاريخ صيدا وحقباتها المتلاحقة. سابقا كنا نجهل عراقة هذه المدينة، فاكتظاظها بالسكان لم يسمح لعلماء الآثار بالعمل كما يجب. ولكن بما ان هذه الارض استملكتها مديرية الآثار منذ الستينات وبدء التنقيب بتمويل من المتحف البريطاني منذ 1998، أتاح لنا الحفر والعثور شيئا فشيئا على المزيد من الآثار. فتوضحت لدينا للمرة الاولى حقباتها بشكل متسلسل وفي الموقع نفسه». وأشارت الى ان الطبقات تتوزع على الشكل الآتي: «6 طبقات من الصخر وصعودا ترقى الى العام 3000 ق.م. وهذه تسمى العصر البرونزي القديم. الحقبة الثانية تتألف من 8 طبقات وتسمى عصر البرونزي المتوسط والجديد وترقى الى العام 2000 ق. م. وأخيرا هناك 5 طبقات تسمى عصر الحديد أو الفينيقي الفارسي وتعود الى ألف عام ق. م. وهذه السنة وسّعنا الحفر فظهرت طبقات اسلامية ورومانية». واشارت الى ان «فرق التنقيب قسّمت بشكل يعمل فيه كل فريق على حقبة معينة. فالفريق الذي يعمل على الحقبة الاقدم عثر على حبوب وشعير. والفريق الثاني الذي يعمل على حقبة الالفي عام، وجد المحارب الكنعاني ومدافن لاطفال ومبنى مهم جدا لا نزال ننقب فيه». وقالت: «لدينا الكثير من قطع الفخار والبرونز التي عثرنا عليها بحالة جيدة جدا رغم الرطوبة في المنطقة وذلك لانها كانت مطمورة في الرمال، ما حافظ عليها طوال قرون». أضافت: «ما يعزز اهمية هذا الموقع انه قرب مرفأ صيدا أي قرب مرفأ الحياة. فوجدنا مثلا فخاريات من جزيرة كريت (اليونانية) ومصر. ونستقبل مهتمين من مصر بالاطلاع على الفخاريات المصرية. كما ان الموقع كان أشبه بمركز توزيع لانه لا يتضمن بيوتا انما مباني. وقد وجدنا في احدها 160 كيلوغراما من الشعير. الموقع مهم جدا لانه يحتوي على مدافن لاغنياء، وجدنا في احدها فضة من الاناضول(...). كنا سابقا نفتخر بصيدا قبل ان نتعرّف الى تاريخها اما اليوم فبتنا نفتخر مع توضيح الصورة اكثر فأكثر. تكونت لدينا صورة عن الحياة اليومية والدينية لهذه المدينة. كقطع الاحجية نرسم الصورة. كل سنة نضيف جديدا الى لائحة المكتشفات. وكل سنة، كعالمة آثار، افهم اكثر وأرى المزيد». ودعت الى «القيام بحملات توعية تربي الاجيال الناشئة على اهمية هذه المكتشفات لتزيد تعلّقهم بوطنهم».

ولفتت الى انه «يمكن للمهتمين بزيارة الموقع التوجه اليه من 25 الشهر الجاري وحتى 31 منه». وإذ أشارت الى ان «البعثة صورت شريطا توثيقيا مدته 45 دقيقة يعرّف عن الموقع»، قالت ان «البعثة عملت على اصدار نشرات عن الموقع ولكن بأسلوب علمي، ذلك ان الاكتشافات المتلاحقة لم تسمح بالتفرّغ لتبسيط المعلومات تمهيدا لنشرها للعامة، وهذا سيكون مشروعنا المقبل ان شاء الله».

وذكرت ان «مؤسسات لبنانية بدأت منذ فترة بالمشاركة في التمويل. هناك مؤسسات اولد هاوس، عصام فارس، الحريري وشبكة المدارس، طراد الوطنية، موركس مع مساعدة من مصرف بيبلوس. وتصل الميزانية سنويا الى أكثر من 80 ألف دولار. ويبلغ عدد الاختصاصيين 25 والعمال 45، وهؤلاء يواصلون جهودهم في الشتاء. ونتمنى المتابعة في المشروع للسنوات الاربع المقبلة».