«عش الطائر» استاد أوليمبياد بكين.. صمم ليبقى في الذاكرة

توحي عوارضه المنحدرة بغابة مظلمة

يقال ان المصممين المعماريين ارادا إطلاق اسم مشتق من صناعة الخزف الصيني على الاستاد الاوليمبي ولكن مع اكتمال المبنى المبهر انتشرت بين العامة تسمية «عش الطائر». أما المكعب الازرق فقد صممته شركة استرالية ليشبه الفقاعات المائية
TT

من المتوقع أن يتدافع أكثر من 90000 متفرج على الإستاد القومي في الصين اليوم الجمعة، لحضور المهرجانات الافتتاحية لدورة الألعاب الأوليمبية، كما يتوقع أن يتابع المليارات حول العالم الاوليمبياد على شاشات التلفزيون. يقال إن هذا الإستاد صمم ليجسد كل شيء في الصين، بدءا من القومية الصينية إلى مختلف النواحي الثقافية هناك. ويعد هذا الإستاد، الذي صممه المعماريان السويسريان جاك هيرزوج وبير دي ميرون، معلما عالميا بارزا. أطلق عليه لقب «عش الطائر» بسبب شكله البيضاوي، ويتمتع بمسحة جمالية تبقى في خيال المرء. يتوقع له أن يبقى بسحره في الذاكرة، حتى بعد أن تنفض الجموع الحاشدة. ومن المستحيل أن يتم نقل روعة بناء معماري عظيم عن طريق شاشات التلفاز وحسب، وما يحزنني أن الكثيرين من الأميركيين سيرون هذا المبنى عن طريق الأقمار الصناعية فقط. يدلل المبنى على الطموحات القومية للصين، وهذا شيء واضح للعيان. الأماكن البارزة التي أقيمت فيها الألعاب الأوليمبية والجديرة بالبقاء في الذاكرة يمكن أن تحصى على أصابع اليد الواحدة. فهناك الإستاد الأوليمبي في برلين عام 1936، الذي صممه المعماري ويرنر مارتش، ويتميز هذا الإستاد بسلسلة الأعمدة الحجرية الآسرة، وتعد رمزا لاستخفاف الفاشية المطلق بالفرد. كما صمم المهندسان المعماريان غونتر بينيك وفري أوتو مظلات شفافة تشبه في شكلها الخيام لتستخدم في الإستاد الأوليمبي في ميونيخ عام 1972، وتعد تلك المظلات نموذجا للإبداع المعماري. وهناك سلسلة الأعمدة على شكل حرف «Y» بالإنجليزية، التي صممها بير لويجي نرفي في إستاد «بلاتزيتو ديلو سبورت»، الذي استضاف الألعاب الأوليمبية عام 1960 في روما. اختير هيرزوج ودي ميرون لتصميم إستاد بكين القومي بسبب القوة التي تميز بها تصميمهم لإستاد أليانز أرينا في ميونيخ. وفي بكين سعى المعماريان للوصول إلى بناء أكثر روعة وإبداعا، حيث يظهر الإستاد كنصب تذكاري أقيم على هضبة صغيرة تقع في الأطراف الشمالية من العاصمة الصينية في وسط الحديقة الأوليمبية الواسعة. وتبدو شبكة الأعمدة المتشابكة بها كما لو كانت عملا نحتيا عملاقا. عندما ينظر إليه من بعد، يعطي التناقض بين الأعمدة الصلبة المنحنية والشكل البيضاوي البارز شكلا غريبا للإستاد كما لو أنه صمم ليحتوي على القوى التي تدفعه وتجره هنا وهناك. ومن الناحية الفلسفية، فهو يوحي بالتوترات التي تتوارى في هذا المجتمع، الذي يشهد اضطرابات مستمرة. ولكن، ثمة رسائل أخرى في الشكل الخارجي للإستاد، حيث يعود كل من هيرزوج ودي ميرون إلى فترة يسعى فيه المعماريون إلى تقويض نقاء الحداثة، التي يرون فيها أنها نوع من السلطوية. وعن طريق بعض الأشكال غير المتساوقة والمواد نصف الشفافة التي تتسم بالغموض، يتحدى المعماريان المعتقدات الجمالية الصارمة. تظهر تلك القيم أمامك وأنت تتجول حول الإستاد، فلا يوجد محور بارز يؤدي إلى الإستاد كما هو الحال في إستاد برلين، فعندما تقترب، توحي العوارض المنحدرة، بغابة مظلمة آسرة، كما تظهر في القصص الخيالية. يدلف الزائرون إلى «عش الطائر» من جميع جوانبه، ثم ينسابون إلى المدرجات السفلى أو يجتازون الممرات عبر شبكة من العوارض إلى المدرجات العليا. وترى هناك بعض الأركان المظلمة التي تصنعها شبكة من الأعمدة، ويتعمق هذا الأثر بينما تصعد خلال المبنى. ويذكر نسق الأضواء والظلال بالأفلام التعبيرية الألمانية. وأنت جالس في مقعدك تلوح أمامك في الأفق الأبراج السكنية التي تعزز من إحساسك بالأبدية. ويوجد مركز تجاري كبير أسفل الإستاد حتى لا يعكر سكون الحديقة المحيطة. وللوصول إلى هذا المركز فإن على المتسوقين الهبوط إليه من خلال سلالم كبيرة. وعلى الجانب الآخر، حرص المعماريان على أن تكون المدرجات الأرضية بالإستاد مفتوحة على الحديقة حتى يتاح إلى من يرغب في التجول أن يتمشى عبر الأعمدة المتشابكة. وقد أشارت الحكومة الصينية إلى أنها من المحتمل أن تقوم ببناء سور حول الإستاد في أعقاب الألعاب الأوليمبية، بينما تنظر الشركة التي أقامته الى خطة لبناء فندق صغير هناك. وإذا حدث ذلك، فمن الممكن أن يكون الإستاد فريسة للنزعة الاستهلاكية. والحق أنه لا يمكن لأحد أن ينكر الإنجاز الذي حققه كل من هيرزوج ودي ميرون، ويؤكد الإستاد القومي في بكين أو «عش الطائر» على الدور الحضاري للعمل المعماري، رغم ما يبدو عليه من إمارات الثقة، فإنه يكابد من أجل تشكيل هوية جديدة من كبد تلك الإضرابات الداخلية الكثيرة.

*خدمة «نيويورك تايمز»