الصينيون «يغزون» لبنان لغوياً وثقافياً وتجارياً

انشاء «معهد كونفوشيوس» في جامعة القديس يوسف لتعلم اللغة الصينية

TT

لم تعد اسوار الصين تقف حائلا دون تفاعل «الشعب الاصفر» مع الشعوب «البيضاء» و«السمراء» و«السوداء»، بل تحولت الى ابواب مفتوحة امام مدّ العولمة. وكان من الطبيعي ان يبادر «الوطن الصغير» لبنان الى ولوج البلد ـ القارة بحد ذاته، جغرافيا وديمغرافيا.

وإذا كان رئيس الهيئات الاقتصادية اللبنانية عدنان القصار اول من اخترق اسوار الصين في الستينات بدوافع تجارية، فان تهافت اللبنانيين على هذا البلد بدأ العام الماضي بشكل لافت، خصوصا في ظل ارتفاع سعر صرف اليورو، وانصراف المستوردين اللبنانيين عن اوروبا في اتجاه بلد ذي عملة مستقرة، وكلفة رخيصة، فكانت الصين الوجهة الانسب في هذا المجال.

ومع هذا الانفتاح الصيني، والتوجه اللبناني، بوشرت خطوات تعزيز هذه الحركة بين «البلد الاصغر» و«البلد الاكبر»، فكانت الخطوة الاولى انشاء «معهد كونفوشيوس» في جامعة القديس يوسف لتعلم اللغة الصينية، باعتبار ان اللغة هي الوسيلة الاولى للتبادل الناجح. ولوحظ اقبال لافت على تعلم هذه اللغة التي بدأت فعلا رحلة الانتشار شرقا وغربا. وقد بلغت الدفعة الاولى من الطلاب نحو 213 فردا تراوحت اعمارهم بين ست سنوات وستين سنة. فالصغار منهم يحلمون ببناء مستقبلهم مع الشرق الاقصى والتعرف الى هذا «السوق» الضخم بشريا واقتصاديا. اما الكبار فانهم يريدون اكتشاف «السوق الجديد»، وبناء علاقة تبادلية جديدة بعيدة عن تقلبات سعر صرف الدولار، وارتفاع سعر صرف اليورو. ويتوزع طلاب المعهد على طلاب الجامعة، وتلامذة المدارس ورجال الاعمال.

ولا يكتفي المعهد بتعليم اللغة الصينية، بل بتعليم الثقافة الصينية. فهناك دروس في الوخز بالابر، والتدليك الصيني، والمعالجة بالضوء، والطبخ الصيني والخط والفن الصينيين.

وفي موازاة هذه الخطوة، بدأت مكاتب الاستيراد من الصين تبرز على الساحة اللبنانية، وتفتح خطوطا مع مكاتب صينية، او مكاتب لها في الصين «مع تأمين مختلف خدمات الشحن والترجمة»، كما يقول احد اصحاب هذه المكاتب، بالاضافة الى تأمين جوازات السفر وسائر الاجراءات التي تتيح سهولة الانتقال والتجوال داخل اسواق الصين، ولاسيما مدينة شنغهاي الصناعية.

وقد ادى «ازدهار» الحركة مع الصين الى ظهور عدد من الاعلانات المثيرة للانتباه، وينص احدها على الآتي: «قاعد بلا شغل؟ ضجرت من شغلك؟ عم بتاجر من الصين مع تحمل تكاليف السفر الى الصين؟ اذا جوابك نعم.. تعا حضار صفي، وبمدة ثلاثة ايام بتصير سيد نفسك بالتجارة من الصين، وانت ببيتك ولو حتى كان رسمالك 200 دولار».

وهذا الرأسمال مهم، بالفعل، بالنسبة الى الانتاج الصيني، حيث بإمكانك ان تشتري حاوية بضائع خفيفة بمثل هذا المبلغ او اعلى قليلا، لكنك لا تنجو، بالتأكيد من أكلاف النقل الذي لا يزال يأخذ وقتا.

وقد تجد اعلانا آخر يطلب مترجما من اللغة الصينية الى اللغة العربية او الانجليزية ليرافق صاحب الطلب الى الصين ولعب دور الوسيط اللغوي بينه وبين الصناعي او التاجر الصيني.

واذا كنت تجد اللبنانيين اليوم بكثرة في اسواق الصين، كما هم في كل اسواق العالم، فانك تجد الصينيين ايضا بكثرة في دوائرنا واسواقنا ومطاعمنا الصينية التي باتت موزعة في اكثر من ناحية من نواحي العاصمة والمصايف اللبنانية.