التنقيب في القمامة.. عمل للفقراء وتجارة أيضا

أناس يأكلون ويلبسون ويكبرون على ما تجود به عليهم حاويات الزبالة

ياسمينا مع طفليها تحت المطر تبحث في حاويات القمامة عن الطعام («الشرق الاوسط»)
TT

كان المطر يهطل بهدوء بينما كانت إمرأة تقود عربة بناء، وقد تربع داخلها طفل لم يتجاوز السنتين، بينما كان طفل في حوالي الرابعة من عمره يمسك بطرفها محاولا مسايرتها في خطواتها السريعة. وهي تبحث في القمامة عن الطعام والملابس القديمة والقطع المعدنية وغيرها. وتضع ما راق لها منها في نفس العربة. إمرأة أخرى في مقتبل العمر تدفع عربة أطفال مهترئة وداخلها طفلان، وهي تتنقل بين حاويات القمامة في ذلك الجو الماطر، اسمها ياسمينا موييتش، أما الطفلان فهما سناد (3 سنوات) وأرماندا (سنة واحدة). أكدت المرأة البالغة من العمر 18 عاما.

وتقول ياسمينا لـ«الشرق الأوسط» إنها والدة الطفلين، أما والدهما فيعمل في مستودع لتجميع الخردة. وعلقت ياسمينا التي تسكن في خربة في منطقة تسمى نجاريتش، احدى ضواحي سراييفو، ان بحثها المستمر في القمامة هو مصدر رئيسي للعيش واللباس. «أبحث عن قطع الحديد والمعادن لبيعها في سوق الخردة، وكذلك الملابس، فأنا وعائلتي نلبس مما نجده في حاويات القمامة، وأحيانا نبيع ما نجده في السوق»، وعما إذا كانت تظفر بالجديد كل يوم قالت «أحيانا نجد وأحيانا لا نجد شيئا». ونفت ياسمينا تلقيها وعائلتها أي مساعدة. اختارت ياسمينا العمل في جمع المعادن والملابس القديمة وغيرها من القمامة بدل التسول كما يفعل الكثيرون خوفا على أطفالها. وقالت «النساء اللواتي يتسولن مع أطفالهن، تنتزع منهن الشرطة أطفالهن، وتأخذهم إلى ملاجئ الأطفال، وليس لي من يرعى طفلي وطفلتي في البيت لذلك اخترت هذا العمل». ثالثة الأثافي هي أن الطفلين غير مسجلين في سجلات المواليد لدى البلدية وبالتالي لن يدخلا المدرسة. ليس ذلك فحسب بل إن زواج هذه المرأة غير مسجل لا في سجلات المأذون الشرعي، ولا في سجلات الحالة المدنية. وعند سؤالها عن أسباب ذلك، أجابت «عقد القران وتسجيل الزواج يحتاج لأموال ونحن لا نملك ذلك «أما تسجيل الأطفال فيحتاج كما ذكرت لمبلغ 350 يورو، وهو مبلغ غير متوفر أيضا، علما بأن راتب زوجها (23 سنة) كما أكدت لـ«الشرق الاوسط» لا يزيد عن 120 يورو شهريا، يدفع منها وما تحصل عليه زوجته من القمامة، ايجار الكوخ وفاتورة الكهرباء وبعض ما هو أقل من الضروريات. في ذلك اليوم الماطر لم تعثر ياسمينا على شيء، لكن أحد أبناء الحلال الذي رق لحالها، قدم لها بعض الملابس التي يمكنها استخدامها أو بيعها. الباحثون في القمامة نساء ورجالا، ومن مختلف الأعمار، بعضهم لا يعرف كم مضى من عمره، يبحثون فرادى وجماعات، ولأنهم لا يعلمون متى يلقي سكان العمارات أثاثهم القديم وفضلات طعامهم، فهم يتناوبون على مدار الساعة على أماكن وضع حاويات القمامة.

ومن بين الذين يبحثون كفريق محرم عليمانوفيتش (32 سنة) وألفادين (21 سنة)، وخيرالدين (32 سنة)، جميعهم متزوجون. وقال محرم «إنه قدم إلى البوسنة من مقدونيا منذ 8 سنوات، وأنه يبيع مما يعثر عليه داخل حاويات القمامة ما قيمته 35 يورو في الشهر. وذكر أن البطالة هي التي دفعته إلى ذلك الطريق «هناك عدة طرق للتعاطي مع البطالة إما أن أسرق أو أتسول أو أموت جوعا أو أقوم بهذا االعمل، لا أرى خيارا آخر وقد اخترت ما ترى». وقال ألفادين «نحن نأكل من القمامة، إنها نظيفة، فالطعام الذي نأخذه نجده مغلق بإحكام داخل أكياس بلاستيكية أو كرتون». وذكر خير الدين أنه مهجر من دوبوي بشمال غربي البوسنة منذ 15 سنة ويعيش مع عائلته في ضواحي سراييفو. وعن المساعدات الاجتماعية قال «لا أحد يعطينا شيئا». وليس الفقراء فقط من يبحثون في حاويات القمامة، فهناك تجار يملكون شاحنات يطوفون بها طوال اليوم في الطرق والتجمعات السكنية التي توجد على أطرافها حاويات قمامة، يلتقطون الأثاث القديم ويبيعونه لشركات النجارة والحدادة التي تقوم بدورها بتجديد حشواتها وأغلفتها وتبيعها من جديد بأسعار باهضة. ومن أصحاب تلك الشاحنات من ينكر عمله مثل أحدهم امتنع عن ذكر اسمه، وكان منهمكا في تفكيك بعض القطع من جهاز تلفزيون «أنا لا أبحث في القمامة، فقط وقفت لأخذ بعض البراغي» ثم واصل كمن يحدث نفسه «أنا تاجر من مقدونيا ولا يمكنني أن أبحث في القمامة». على الرغم من أن شحنته ملآى بالخردة وبقطع الآثاث الخشبي والحديدي.