محمود درويش أوصى بعدم تركه يعيش اصطناعياً.. ودفنه في فلسطين

أصدقاؤه في بيروت ودمشق يتلقون الخبر كالصاعقة

محمود درويش مع ياسر عرفات ومجموعة من الكتاب والفنانين الأجانب (أ.ف.ب)
TT

سادت أجواء حزن شديد، امتزجت بذهول وعدم تصديق في بيروت ودمشق أمس، عند انتشار خبر وفاة الشاعر الكبير محمود درويش. ولم يتوقف أصدقاء درويش في العاصمتين عن إجراء اتصالات في فلسطين وعواصم مختلفة من العالم لمعرفة مدى صحة النبأ، حين تبين ان الخبر كان ملتبساً، وان الوفاة غير مؤكدة، لكنها تكاد تكون شبه حتمية لجسد كل ما فيه توقف إلا القلب على ما يبدو. وقال الكاتب والباحث الفلسطيني صقر أبو فخر الذي كان يجرى اتصالاته الخاصة أمس من بيروت لمعرفة آخر اخبار الشاعر الكبير: «محمود درويش تحدث مع ناشره رياض الريس منذ أكثر من عشرين يوماً وكنت أجلس قربه، وأخبره ان ثمة مركزاً طبياً متطوراً في أميركا وتحديداً في هيوستن، نصحه البعض باستشارته بخصوص قلبه، وانه سيذهب إلى هناك لكشف صحي، وللاطمئنان. وعندما سأله الريس ان كان يحتاج إلى أي عملية، نفى ذلك وقال: لا هو مجرد كشف صحي، لا أكثر ولا اقل». وكان محمود درويش يعاني من الارتخاء في عضلة قلبه التي ليس لها علاج. وكان قد أجرى عملية للقلب المفتوح سابقاً وعانى كثيراً ودخل غيبوبة كتب عنها ببراعة منقطعة النظير. ويؤكد صقر أبو فخر «ان درويش لم يكن في حالة صحية سيئة، وكل ما كان يبغيه هو المزيد من الاطمئنان. وقبل التوجه إلى هيوستن زار درويش تونس وفرنسا، مما يؤكد انه لم يكن في وضع حرج، ووصل إلى اميركا من حوالي عشرة ايام أو اكثر قليلا لكننا لا نعرف ما الذي حصل هناك. وهذا مدعاة استغرابنا، وأنا على اتصال مع السفارة الفلسطينية في بيروت وأصدقاء له في فلسطين».

وفي «معرض دمشق للكتاب» المنعقد حالياً، حيث كان موجودا رياض نجيب الريس، ناشر دواوين محمود درويش، سادت أجواء حزينة للغاية، وتجمهر الناس حول الريس في ما يشبه العزاء. وحاول الصحافيون انتزاع بعض الكلمات من الريس، لكنه كان في حالة عصبية شديدة، ورفض الكلام قائلاً انه سيتكلم غداً أو بعد غد، لكن ليس اليوم. وتلقى الريس في تلك الأثناء مكالمة هاتفية من مصدر مقرب من أكرم هنية الذي يرافق درويش إلى هيوستن وأخبره ان محمود درويش توفي سريرياً، وكل أعضائه توقفت عن العمل، لكن قلبه مايزال ينبض، وهو يعيش بفعل الآلات الاصطناعية، وان محمود درويش لن يترك أبداً في هذه الحالة، لأنه كان قد تحسب للأمر سلفاً، وطلب ان لا يترك حياً بفعل الأجهزة الاصطناعية ابداً في حال وقع له اي مكروه. وبحسب المصدر، ان اهل محمود درويش اتصلوا في المستشفى الذي يوجد فيه وطلبوا العمل برغبته، واحترام مطلبه. ومن بين ما اوصى به درويش بحسب المصدر نفسه هو ان يدفن في فلسطين في حال وفاته. وبقي رياض الريس مرتبكاً في ما تجمهر الناس حوله وكان يجري اتصالات مع دار نشره في بيروت، للتباحث في ما يمكن عمله في حال تأكد الخبر.

لكن وزير الثقافة السوري رياض نعسان آغا، الذي كان في احتفالية داخل معرض دمشق حين وصل الخبر الفاجعة، لم يتمالك نفسه ونعى الشاعر والصديق محمود درويش، من خلال مكبرات صوت تبث في كل أرجاء المعرض. وبدأت إذاعة المعرض من لحظتها تبث نعياً لدرويش وتذكيراً بقامته الشاهقة في الشعر العربي الحديث ومكانته التي يصعب أن يملأها أي شاعر آخر.

أما الفنان مارسيل خليفة الذي تربطه صلة حميمية بالشاعر درويش، وأعمال مشتركة شهيرة في العالم العربي، وحفلات حضرها آلاف العرب، فقد رفض التعليق بأي كلمة على الخبر الأليم الذي وقع عليه كالصاعقة. وكان خليفة قد وصل أمس للتو إلى بيروت كما قال حين اجرينا اتصالاً به. وقال: «ليس عندي اي كلام أقوله، ولا اريد ان اعلق على اي شيء. اصل للتو إلى بيروت واسمع هذا الخبر السيئ الذي ليس أكيداً، ولا ارغب في قول اي كلمة حوله. دعونا ننتظر فهذا اجدى. نعرف انه مريض لكننا لا نعرف اكثر من ذلك». وقال الشاعر الياس لحود الذي باغتناه بالسؤال بينما كان يقود سيارته في منطقة جبلية «انها فجيعة.. انك يا محمود درويش جبل يهوي. يذهلنا دائماً لأنه الأصدق شعراً وحباً وطنية، فوداعاً محمود درويش».

وجدير بالذكر ان طوابع بريدية صدرت في فلسطين منذ اسبوع تحمل صورة محمود درويش تكريماً له، ولعله كان تكريماً مبكراً لشاعر يصعب تعويضه ويندر مثيله في زمننا الحديث.