خلف كل عرض مسرحي.. فنانون من نوع آخر

يستعينون بالظلام والصمت

عمال المسرح يساعدون الممثلة الرئيسية في مسرحية «شريرة» في ارتداء ملابسها («الشرق الأوسط»)
TT

تعتبر مسرحية «39 خطوة» المبنية على قصة فيلم للمخرج العالمي الفريد هيتشكوك يحمل نفس العنوان، بمثابة عمل مسرحي جنوني. فهناك 4 ممثلين فقط يقومون بأكثر من 20 دورا على خشبة المسرح. إلا أن الحياة على جانبي المسرح تعتبر أكثر جنونا. فعلى مدار 90 دقيقة، هي مدة العرض المسرحي، يتحرك أفراد طاقم العمل بنشاط كبير، الواحد تلو الآخر حاملين السلالم، وأجهزة الدخان الصناعي، والدمى ذات الحجم الطبيعي، وجميعهم يتحركون من دون إصدار أي صوت يُذكر. ومع كل ذلك، لا يعرف حتى المتابعون للعرض المسرحي بحقيقة وجود مثل هؤلاء الفنانين خلف الكواليس.

وهذا هو الحال مع أي عمل إنتاجي، فبعد افتتاح العرض ليلاً يتحرك المخرجون والمصممون عادة إلى مشروعاتهم وأعمالهم التالية، بينما يبقى عدد قليل من فريق العمل خلف الكواليس، لضمان إخراج العمل الفني بالصورة الملائمة. ولنأخذ نيفن هادلي مثالاً على ذلك، الذي عمل مدير إنتاج مسرحي لمسرحية «39 خطوة»، وهي محاكاة لرائعة هيتشكوك عام 1935، عندما تم عرضها لأول مرة بمسرح هانتنغتون في بوسطن الخريف الماضي. (ويتم عرضها حاليا في كورت). فقد كان يجلس هادلي أثناء العرض المسرحي خلف مجموعة من شاشات المراقبة التي تتيح له رؤية جميع أركان المسرح، حيث يتابع النص من مكانه، ويعطي الإشارات إلى الممثلين على المسرح عبر السماعات المثبتة على رؤوسهم. ومع ذلك، فلم يكن يجلس بتكاسل، بل كان يخبر مدير الإضاءة من وقت لآخر بأن يستعد لإطفاء الأنوار على المسرح. ويُعرف عن مسرحية «39 خطوة» أنها ممتلئة بالتلميحات والإشارات الضمنية – فهناك أكثر من 190 تلميحا صوتيا فقط ـ وهي كمية كبيرة للغاية بالنسبة لمسرحية؛ لذا يجب على هادلي البقاء دوما متيقظا. ويقول هادلي «على النقيض مع الكثير من العروض المسرحية، فإن فصول هذا العرض تعتبر سريعة للغاية، للدرجة التي لا تمكنك من التفكير، فإذا ما توقفت للتفكير ما التالي، فسوف تمضي اللحظة على الفور». ويتابع هادلي بقوله إن هناك إشباعا فنيا في عمله المتسم بشدة الضغط، ويقول: «إنك تبدو مثل قائد الأوركسترا، فجميع الأضواء والحركات تحدث عندما ينادي المدير ببداية العرض. حينها يمكنك معالجة كل الأمور بوضعها تحت السيطرة لتبدو جزءا واحدا من الرواية». وشأنه شأن العديد من المديرين المسرحيين، يعمل هادلي مخرجا مساعدا، حيث يعطي الملاحظات للممثلين ويراقب عمليات البروفة واستبدال وإعادة الممثلين. وبصورة مشابهة، يعتمد مصممو الملابس على مشرفي الملابس ومساعدي التصميم لمواصلة أعمالهم. ففي مسرحية الساحرة الشريرة، أنشأت مصممة الملابس سوزان هلفرتي ملامح مميزة لكل شخصية، حتى لأعضاء الفرقة الموسيقية، وقد حصل كل عضو بطاقم العمل على ملابس جديدة تمت حياكتها يدويا. وكانت هلفرتي تقوم بالإشراف على عملية الإنتاج في نيويورك بينما كانت تعول في عملها على مشرفة الملابس، أليس جلبرت التي عملت في تصميم ملابس بعض الروايات الإبداعية مثل «فتيات الأحلام» و«كورس لاين». هذا، وتصل هلفرتي إلى مسرح جورج جرشوين قبل بداية كل عرض للإشراف على الملابس التي سيتم ارتداؤها، والتشاور مع فريق العمل المختص بالملابس. كما تعمد أيضا إلى التوجه إلى المحال التي تصنع الملابس الخاصة بالساحرة الشريرة في مسرحية «شريرة» بمانهاتن. ودائما ما تضع في عين الاعتبار الاهتمامات الخاصة، حيث تتأكد من أن كل قطعة ملابس خاصة بالممثلين ستخدم الدور بالشكل الصحيح على خشبة المسرح. (أما مساعدة المصممة هلفرتي فتعمل على مراقبة الخيارات الفنية، التي تأتي على غرار اختيار نوعية القماش). هذا وتكون هلفرتي على أتم الاستعداد لأي حالات طارئة، فعلى سبيل المثال، إذا كانت الممثلة التي تلعب دور إلفابا (أو الساحرة الشريرة) مدركة أنه ليس بإمكانها القيام بالمتطلبات الصوتية التي يقتضيها دورها في هذا اليوم، يتم استبدالها في منتصف العرض، وفي هذه الأثناء تعمل هلفرتي على إدارة وتوجيه فريق العمل الخاص بها لتجهيز الملابس التي سترتديها الممثلة الجديدة، بينما يقوم الماكيير بتجهيز الممثلة الجديدة بوضع المساحيق التجميلية الخاصة بالدور لها. وكل هذه الأمور تحدث في الفترة القصيرة التي يتم فيها إسدال الستار، والتي تكون في العادة عبارة عن دقائق معدودة قبل بداية الأغنية التالية للساحرة الشريرة إلفابا. أما مشرفة الملابس جلبرت فتقول: «في هذه الأثناء، أندفع بسرعة قائلة، حرك هذا، واحمل هذا، (فالمكان) يشبه السيرك الصغير». وبصورة مشابهة عندما تتحطم إحدى الدمى في مسرحية «الأسد الملك» أثناء العرض، لا يكون هناك وقت كاف من أجل إصلاحها بصورة دقيقة. وبدلاً من ذلك، تتم الاستعانة بأحد المتخصصين من أجل إجراء عملية إصلاح سريعة وشديدة البراعة للدمية. وقد حدثت مثل هذه الحالة في الفترة الأخيرة لأحد المتخصصين وهو إليا فيت، فقد كان خلف الكواليس عندما تلقى رسالة تنبيه مفاجئة، يقول عنها: «تلقيت رسالة عبر جهاز اللاسلكي، بومبا فقد عموده الفقري». وبومبا هذا خنزير أليف، وبدون عموده الفقري قد لا يثير الإعجاب. واكتشف فيت حينها أن العمود الفقري المصنوع من الألمونيوم الخاص بالدمية قد انكسر، مما جعل الممثل الذي بداخل الدمية يمشي متثاقلاً من حجم الدمية، وعلى الفور قام بالإعداد لاستبدال العمود الفقري بشريط خاص وقام بتقويته. ويوضح فيت أنه عندما يحدث عطب ما في المحرك المثبت برأس دمية الأسد، فإن عملية فن تحريك الدمية تتطلب حلاً ابتكاريا لتلك المشكلة: حيث يقول: «إن عملية التنفيذ والتصميم دائما ما تكون متقدمة ونشيطة حيث لا يهم مقدار ما تعلمه، فهناك دائما الكثير لتتعلمه». أما جون دوري وهو مهندس الصوت لمسرحية «سبامالوت»، فيقوم بعمل خيارات سريعة وفورية خلال العرض. فمن خلال لوحة تحكم ضخمة في خلف مسرح شوبرت، يقوم بالتحكم في حجم كل صوت يأتي عبر أرجاء المسرح أو من الأوركسترا، كما يقوم بضبط مستوى الصوت الصادر من الميكروفونات للتأكد من أن المؤثرات الصوتية، والآلات الموسيقية، والأصوات ستندمج مع بعضها البعض بالصورة المثلى. وأثناء وجوده أمام لوحة التحكم قبل بداية العرض، يوضح دوري أن هناك العديد من العوامل التي تؤثر على جودة الصوت، مثل مستوى الرطوبة داخل المسرح، وبالتالي فإنه لا يمكنه توقع أي الأصوات التي ستحتاج الكثير أو القليل من التكبير لتبدو طبيعية. وحتى عندما يكون هناك ممثل واحد فقط على خشبة المسرح، فإنك ترى دوري جالسا أمام لوحة التحكم ويعمل على ضبط الأصوات. وبالنسبة لأي شخص غير خبير فإنه يتعذر عليه اكتشاف أي تغيير حدث، فليس هناك من خلل يحدث خلال العرض. وهنا بيت القصيد، فمثله مثل أغلب الفنانين الجالسين وراء الكواليس، ينجح دوري عندما يبدو وكأن العرض قد تم بدون أي مساعدة منه. وفي هذا الصدد يقول دوري: «إن هدفي ألا يدرك أحد بوجودي هنا. فإذا لاحظوا وجودي، فلن يهتموا بالعرض».

*خدمة «نيويورك تايمز»