جدل قانوني بمصر حول حق السلطات في محاكمة قاتل سوزان تميم

بعد أسبوعين من مقتلها

TT

في وقت قال فيه قانونيون مصريون كبار إن القضاء المصري غير ملزم بإخطار أسرة الفنانة اللبنانية القتيلة بسير التحقيقات مع المصري المتهم بقتلها، منير السكري، مرجحين محاكمته داخل مصر، لا الإمارات، ومثلما استمر عديد من العرب، وبخاصة مصريين وليبيين وتونسيين، يتسقطون، قبل نحو 5 سنوات، أخبار مقتل الفنانة التونسية ذكرى محمد في القاهرة، على يد زوجها المصري الذي انتحر في حينه، لم يتوقف أهل القاهرة وبعض عواصم عربية حتى أمس، أي بعد مقتل سوزان تميم بنحو 14 يوماً (الاثنين قبل الماضي) عن تقليب أمر الحادثة الشنيعة التي أودت بابتسامة تميم وأضاعت التفاتتها الساحرة، وغيرها من ملامح لطلعتها يتزايد تبادلها بين محبيها على منتديات الانترنت، وكذلك بين من لم يكونوا قد سمعوا بها أو تعرفوا على صوتها، وألبومها «ساكن»، إلا من خلال الحادثة الغامضة في دوافعها، وفي الكتمان المصاحب للتحقيقات الجارية مع المتهم الرئيسي إلى الآن، والذي ترددت مجدداً إشاعات عن ارتكابه الجريمة لصالح آخرين، لكن من هم، وأين هم، ومن يعلم أنهم هم بالفعل الذين دبروا لقتلها، لا أحد يعلم.

وفي جلسات وسهرات بفنادق خمس نجوم وسط العاصمة المصرية، ومن خلال رسائل بين مصريين وعرب يقضون إجازاتهم الصيفية بين منتجعات البحر الأحمر وشواطئ الساحل الشمالي، تبيَّن أن مرور أسبوعين على الحادثة، وحظر النشر فيها، زاد من زخم الجدل حولها، كان آخرها في سهرة جرت ليل أول من أمس ببهو فندق وسط العاصمة ضم مصريين وجنسيات عربية متباينة، وفتشوا في أمور الفن والسياسة والمال، بل زاد بعضهم إلى درجة التساؤل، مع طول السهر، عن ما إذا كان بين مصر والإمارات اتفاقية للتعاون القضائي من عدمه.

«اقتباس.. المشاركة الأصلية كتبت بواسطة سحابة صيف.. ويه.. متى صااار. والله ما عنديه خبر. وليش».. «الله يسلمج ويعافيج الشيخة».. «اطلب عيني.. أغاني سوزان تميم، بحث.. لا يوجد نتائج لعملية البحث، بحث جديد، ثلاث نتائج؛ تحميل.. أنا اللي عشقاك».. بهذه الطريقة شغل آلاف من شبان وبنات عرب أوقاتهم على منتديات الانترنت يتبادلون أغاني تميم وصورها والشائعات الدائرة وراء مقتلها، وتكهنات عن سير التحقيق في قضيتها، منها منتديات ومواقع «ولد الإمارات»، و«دردشة يا قلبي»، و«أدمى وان».

لكن، وبعيداً عن جدل سهرات السمر، وبعيدا عن الزخم الانترنتي حول قضيتها، أكد عضو مجلس الشورى المصري، المحامي، الدكتور شوقي السيد، إنه ووفقاً لاتفاقية التعاون القضائي بين مصر والإمارات فإنه يجوز للقاهرة أن تحاكم المتهم بقتل الفنانة تميم على أراضيها، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» بقوله: «يجوز عدم تسليمه لدبي، ومحاكمته هنا في مصر، طالما الجريمة معاقب عليها في الدولتين، وفقاً للتعاون القضائي بينهما»، وإن «(تحقيقات) القضية ما زالت في طي الكتمان وهي حالياً ما زالت خارج دائرة النشر». لكن أمين عام المنظمة المصرية لحقوق الإنسان، حافظ أبو سعدة، كان له تفسيرات مختلفة، وقال إن مصر لا تقوم بإجراء تحقيقات في هذه القضية، وإنما تقوم بما يسمى بـ«الإنابة القضائية» أو «التعاون القضائي»، بمعنى أن الاختصاص القضائي والتحقيقي هو للسلطات القضائية في دولة الإمارات. وأضاف: «لكن في اتفاقيات التعاون القضائي بين الدول يمكن أن تنيب جهات التحقيق في دول أخرى للقيام بجزء أو إجراء من التحقيق إذا كان أحد عناصر التحقيق يوجد على أراضي الدولة الأخرى، مثل مصر، ومنها القبض على، أو تسليم، متهم، ومنها عمل محضر استدلالات بأسئلة محددة، ومنها عمل استجواب قضائي بموجب أسئلة محددة، وفي النهاية إحالة الأسئلة بأجوبتها إلى الجهة القضائية». وقال: «إذن الذي يُجري التحقيق قضائياً وقانوناً هي سلطة التحقيق في دولة الإمارات، وما تقوم به النيابة العامة في مصر، هو إنابة قضائية أو إجراءات لصالح جهة تحقيق في دولة (الإمارات) يوجد بين مصر وبينها اتفاقية تعاون». وعمّا ينبغي عمله لأسرة المتهمة حال أرادت متابعة التحقيقات في مصر، وما إذا كانت ستلجأ في هذه الحالة لدولة الإمارات صاحبة التحقيق الأصيل في القضية، بحسب قوله، أم أنها تلجأ مباشرة للقضاء المصري، قال أبو سعدة: «يستطيع محام عن المدعين بالحق المدني (أسرة القتيلة) أن يتابعوا إجراءات التحقيق في أي مكان سواء في الإمارات، أو مصر، كون الأخيرة أحيل إليها جزء من التحقيق للقيام به».

وبالنسبة للطريقة التي تنظر بها المنظمات الحقوقية في مصر للجريمة التي راحت ضحيتها سوزان تميم، وما إذا كانت تدخل في اختصاص هذه المنظمات مثل منظمته، قال «أبو سعدة»: «هذه جريمة جنائية بالأساس ونتابعها، لكن الجزء الذي جعلنا نتابعها أكثر من السابق هو صدور قرار حظر النشر فيها، لأن قرارات حظر النشر، مع أنها حق للنيابة العامة، إلا إن هذا الحق له ضوابط، وليس على إطلاقه، ولا بد أن يكون لحماية مصلحة عامة للمجتمع، أو مصلحة خاصة بالتحقيق وحماية العدالة.. تقييمنا (كمنظمات حقوقية) لأمر النشر فيه عيب خطير وهو أن التحقيق الأصلي غير محظور النشر عنه، بينما التحقيق الفرعي يتم حظر النشر عنه، هذا شيء غريب».

وعن ما إذا كانت منظمته، ومنظمات حقوقية أخرى، يمكن أن تتفاعل مع القضية باعتبارها منظمات معنية بحقوق الإنسان، كما فعلت وتفاعلت مع قضية رأي عام أخيراً، هي قضية غرق العبارة السلام 98 بنحو ألف مصري بالبحر الأحمر عام 2006، قال «أبو سعدة»: «قضية العبارة تخص الحق في الحياة لألف أو أكثر من ألف مواطن مصري، تعرضوا لانتهاك أدى إلى فقدانهم حياتهم، وله أسباب تتعلق بخلل جسيم في أداء الدور لـ(مؤسسات) الأمن والسلامة المعنية بالنقل البشري (نقل الركاب)، والإهمال الذي أدى لوقوع الكارثة.. هنا نتحدث عن أوضاع وحقوق مصريين، لكن هذه القضية (قضية سوزان تميم) رغم الضجة الإعلامية التي أثيرت حولها، إلا إنها تتعلق برجل أعمال أو رجال أعمال وتتعلق بفنانة (..) من نظرة حقوقية ما أقدرش أتعامل مع جريمة جنائية وإلا، لو فيه مائة ألف جريمة في السنة، يبقى لازم أتعامل معها بنفس القدر».

من جانبه قال المستشار رجائي عطية، المحامي وعضو مجلس الشورى المصري، إن: «هذه القضية طبقاً لقاعدة إقليمية القانون الجنائي، والتزاماً بمبدأ سيادة كل دولة على أرضها ـ هي من اختصاص السلطات الشرطية والتحقيقية والقضائية في دولة دبي التي وقعت الجريمة على أرضها. ما قد تكلف به أي دولة سواء مصر أو غيرها في تتبع أو ملاحقة أو استجواب أحد المتهمين في القضية إنما يجري بما يسمى إنابة قضائية على المستوى الدولي، تكلف بمقتضاه سلطات دبي، تكلف سلطات الدولة المعنية القيام بما أنابتها فيه.. بعد هذا الخط لا يوجد لدي معلومات متوفرة أستطيع أن أبني عليها رأياً، لأنه يوجد قرار حظر نشر في مصر، ولا أستطيع أن أعتمد على تكهنات، وإنما أقول إن من حق أهل المجني عليها أن يلجأوا للسلطات القضائية في دبي مدعين بالحق المدني، وأن يطلبوا إليها فرصة متابعة ما يجري في الإنابة القضائية سواء كانت في مصر أو غير مصر، وهم يستطيعون بمقتضى ذلك أن يوكلوا من يطمئنون إليه من المحامين في متابعة القضية سواء في مصر أو في دبي».

وحول ما إذا كان القضاء المصري مُلزم بإخطار أسرة القتيلة بسير التحقيقات، قال «المستشار عطية»: لا إلزام، وهذا غير وارد على الإطلاق.. هذا ليس من مهمته، ولا من مهمة سلطات دبي.. القواعد في القانون (تقول) إن المضرور من الجريمة يدعى مدني، ويتابع قضيته».