في حائل.. لا اسم يعلو فوق حاتم

الأولوية للابن البكر تيمنا بـ«الطائي» كريم العرب

دالي يقف بجانب ما يعتبر أنه المنزل الأثري لحاتم الطائي («الشرق الاوسط»)
TT

إن قادتك الظروف إلى تجمع بشري في منطقة حائل (شمال السعودية) وناديت صديقا أو قريباً لك، يحمل اسم حاتم، فلا تكترث إن لبى النداء، كثير من الوجوه، فتذكر أن ذاك الاسم، يُعتبر من أكثر الأسماء انتشارا في المنطقة، التي كانت يوما ما في قديم الأزل، موطن كريم العرب حاتم الطائي.

فكل اسم له منطقته الجغرافية التي يكثر انتشاره فيها ويزداد عدد من يحملونه نسبة للأسماء الأخرى، إما لوجود ارتباط من نوع معين بين الاسم والمكان الذي ينتشر فيه، أو لمعانٍ ودلالات يحملها الاسم، بسبب ارتباطه بشخصية معينة، ربما تكون دينية، أو تاريخية، أو سياسية، أو شعبية.

وإذا كان اسم محمد وأحمد من أكثر الأسماء انتشاراً على المستوى العربي والإسلامي، لارتباطهما بشخصية الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، فإن اسم حاتم يشهد انتشاراً كبيراً في منطقة حائل، أكثر من غيرها من المناطق، بسبب ارتباط حائل باسم حاتم الطائي، أشهر الكرماء في التاريخ العربي، الذي عاش ومات في هذه البقعة من البلاد.

ويُعرف عن أهالي منطقة حائل، إطلاق اسم حاتم على مواليدهم، رغبة في تخليد كريم العرب صاحب الاسم الأشهر، وتيمناً به لما يحمل ذاك الاسم من معاني للجود والكرم، التي يسبغها على حامله، إلى أن أصبح اسم حاتم مرتبطاً بمنطقة حائل وملازماً لأهلها، لكثرة إطلاقهم الاسم على المواليد الجدد. ولا توجد إحصائيات رسمية توضح نسبة التسمية إلا أن الدارج أمام زائر المنطقة يلاحظ انتشار الاسم بشكل كبير.

ولا يستغرب الزائر لهذه المنطقة من تكرار اسم حاتم، وبكثرة، على مسامعه، بل ويتصادف أحيانا وجودك بأحد الأماكن العامة بحائل لتجد العشرات يجيبونك عندما تنادي بالصدفة، اسم حاتم.

اسم حاتم يُعتبر محبباً ودارجاَ لدى أهالي منطقة حائل، وغدا سمة من سماتها، ويعزو بعض الأهالي ذلك، للرابط الثقافي والتاريخي بحاتم الطائي، ولما عرف عن خصاله الكريمة، وهو ما يُلاقي إقبالاً مُنقطع النظير، إلى أن بات هذا الاسم عادةً، من نصيب الابن البكر. ومن تاريخ حاتم الطائي ابن حائل السعودية، ما عرف عنه، حرصه على إيقاد ناره مساء كل يوم على أحد جبال أجا، القريبة من موطنه، ليستدل الضيف على منزله في توارن ويظفر بضيافته، وكذلك تقديمه حصانه الوحيد وجبةً لضيوفه، لعدم توافر ما يقدمه لهم، وهو ما بات منذُ قديم الأزل، معنىً للكرم.

وتوارن قرية صغيرة من إحدى قرى منطقة حائل، أكد مؤرخون من المنطقة، إنها، أي القرية، الواقعة وسط وادٍ تُحيط بها جبال «أجا» الشامخة من جميع الاتجاهات، وتبعد عن المنطقة الأم حائل مسافة تقدر بـ50 كيلومتراً، عاش ومات بها حاتم الطائي. وتضم القرية القديمة قصوراً بُنيت من الحجر والطين، لم يبق منها سوى أطلالها، لتعرض جنباتها للهدم في وقتٍ سابق، يظهر نهاية الوادي قصر حاتم الطائي، في منظرٍ لا يُعبر بصورته الحالية عن قاطنه سابقا، والذي عُرف عنه عدم انقطاع الضيوف عنه.

يجاور القصر مقبرة قديمة حديثة البناء شرع بابها على الدوام أمام السياح، إلى أن بلغ الأمر شق طريق وسط المقبرة يؤدي لنهايتها، لما تحويه المقبرة من آثار أقدام كثيرة، لتقف خير شاهد على ذاك الزمان. وتحوي المقبرة ضريحين مفرطين في طولهما، إذ يبلغ طول الأول 9.5 متر والآخر 7.25 متر، شُيدا على الطريقة الإسلامية، حُددا بحجارة مرصوفة على جنباتهما حديثا.

الضريح الأول، لحاتم الطائي، في حين قيل إن الضريح الآخر واختلفت حوله الأقاويل، إنه لأمه أو لزوجته، فيما تحتوي قرية السفن في حائل، ضريح ابنة حاتم الطائي «سفانة»، ويقال إن القرية سميت بهذا الاسم نسبة إلى سفانة ابنة كريم العرب. ورغم وعورة الطريق إلى توارن، وبعده عن أقرب طريق معبد إلا إن القرية تشهد إقبالا من السياح، وخصوصا في أوقات الإجازات من جنسيات مختلفة عربية وأجنبية. وفي ذات السياق، أوضح لـ«الشرق الاوسط» سعد الرويسان، مدير وحدة الآثار والمتاحف بمنطقة حائل، أن قرية توارن مسجلة لدى وحدة الآثار والمتاحف، ولم يتم عمل أي تنقيب اثري بالقرية، مؤكداً أن دراسات وبحوثا سابقة أجريت على ذات القرية، أكدت أن حاتم الطائي عاش في قرية توارن، وهو ما قاد إلى الاهتمام بها من قبل الجهات المسؤولة عن التراث في السعودية، في حين أشار إلى دراسة حراسة البيت والقبر، من قبل حارس تم تعيينه من قبل وحدة الآثار والمتاحف. ويؤكد لـ«الشرق الأوسط» دالي محمد، مالك قصر حاتم الطائي حالياً، أن نحتا على صخرة في أحد أركان القصر، عُثر عليها، أثبت أنه القصر الذي كان يقطنه حاتم الطائي، مشيراً إلى أن النحت عبارة عن وصية من حاتم الطائي لابنه عدي، وهو ما يأتي خلاف روايات الأسلاف، التي تؤكد غير تلك الحقيقة. وقال دالي إن القصر الطيني توارثه قاطنو القرية، مضيفاً «إننا سكناه سابقا، وقمنا بإضافة وإزالة العديد من الغرف له».

وبين دالي أن هناك شواهد حية وراسخة من أمد بعيد على ثراء هذه القرية، إضافةً إلى وجود دلائل تؤكد أن حاتم الطائي عاش ومات في القصر ذاته، ومن الآثار التي تؤكد ذلك، الضريحان، وبئر ماء شُيد على شاكلة بناء قديم جداً، عُرف باسم بئر الشيخ وهو الذي كان يستخدمه حاتم الطائي، ويجاور القصر من الجهة الجنوبية.

وشدد دالي على أن قرية توارن غنية بالنقوش والسدود الأثرية التاريخية، والبوابات الحجرية عند مداخل الأودية التي كانت تستخدم قديما، مشيراً إلى أن الأسلاف، ذكروا ان العمل بها كان لتنظيم عملية الدخول والخروج، لأقوام عاشوا قبل الإسلام، بحسب دلالات نقوشهم وآثارهم التاريخية.

ويوضح دالي ان شهرة حاتم الطائي وصلت لجميع أصقاع المعمورة، ويتجلى ذلك في الجنسيات والأعراق التي تزور قبر حاتم الطائي، مُستشهداً بمجموعات من الأوروبيين والسياح الأميركيين والآسيويين، ممن يحرصون على زيارة موطن وضريح من اشتهر بالكرم العربي وعلق اسمه بالكرم على مدى العصور السابقة إلى يومنا الحالي. وأشار دالي الى اكتظاظ القصور والمقبرة يوم الجمعة، وهو يوم الإجازة في السعودية، بالزوار من العمالة الوافدة من مختلف الثقافات والجنسيات، وخصوصا جنوب شرقي آسيا، وهو ما يؤكد وصول شهرة هذا الرجل لشتى بقاع الأرض، ويحرص الجميع على التقاط صور تذكارية لهم عند الضريحين والقصر.