«أبو الهول» يكذب الشائعات ويواصل صموده في الزمن

كسر أنفه أحد المتصوفة وسرق لحيته الفرنسيون والإنجليز

امرأة مصرية ويظهر خلفها أحد أهم الآثار العالمية (ا ف ب)
TT

أكثر من أربعة آلاف عام مرت عليه، وهو لا يزال قابعا في مكانه حارسا لأهرامات الفراعنة إحدى عجائب الدنيا السبع. وكل يوم يمعن في صمته وأسراره، والتي تحولت في نظر الكثيرين من المختصين إلى لغز، ومصدر جاذبية في أوساط الزائرين العاديين.

لكن «أبو الهول» التمثال الأشهر في منطقة أهرامات الجيزة أصبح مهددا بالانهيار. ويزعم البعض أنه سيدمر بعد 60 عاما نتيجة المياه الجوفية. إلا أن المسؤولين المصريين ينفون هذا، ويرونه مجرد زعم يطلقه من حين لآخر البعض من غير المتخصصين. وأمام هذه الشائعات، وغيرها أصبح التمثال بألغازه وأسراره مادة شهية للكثير من الفضائيات العربية.

فمن وقت لآخر يثار الجدل حوله، خاصة فيما يتعلق بمدى مقدرته على الصمود، حتى أصبح موضعا لكثير من الشائعات والتكهنات، ليس لدى المصريين وحدهم بل الأجانب أيضا، فزعمت إحدى البعثات اليابانية قبل عامين، من أن التمثال سينهار بعد مائتي عام.

وعلى الرغم من أن المائتي عام لم تمر بأكملها، فإن هناك زعما آخر أطلقه أحد المرشدين السياحيين عن قرب انهيار التمثال خلال 60 يوما، لما يتأثر به من مياه يعتبرها الأثريون مياها تحت سطحية، وليست جوفية.

هذه الشائعات وغيرها لم تنل من شهرة التمثال النابعة من براعة النحت الذي يظهر عليه منذ أكثر من 4 آلاف عام، فعلى الرغم من أنه منحوت من الحجارة كغيره من التماثيل، إلا أنه اكتسب شهرة فائقة عن غيره من التماثيل، حتى أصبح أشهرها، فضلا عن محاكاته في كثير من المواقع الأثرية المصرية والحضارات الأخرى، كما قلدت تشكيلاته الكثير من دول العالم.

المسؤولون المصريون من جانبهم يقطعون بأن مثل هذه الآراء غير المسؤولة تساهم في إثارة الرأي العام، ليس في مصر وحدها، بل في العالم كله. ويعترفون أيضا بوجود مخاطر تهدد التمثال الأشهر، يحددونها في المياه تحت السطحية وليست الجوفية التي ارتفع منسوب الأولى منها أمام التمثال، إلا أنها لا يمكن بحال أن تكون سببا في تدميره بعد 60 عاما، أو 60 يوما.

وحرصا على حماية التمثال قام مسؤولو المجلس الأعلى للآثار بالاستعانة بمركز هندسة الآثار بكلية الهندسة في جامعة القاهرة للإشراف على إعداد الدراسات اللازمة لمعالجة مشكلة المياه التي تهدد تمثال «أبو الهول»، وبحث السبل الكفيلة لمواجهة المشكلة ومنع ارتفاع منسوب المياه أمام التمثال.

وأخيرا تلقى فاروق حسني وزير الثقافة المصري تقريرا فنيا وهندسيا يؤكد عدم وجود خطورة على تمثال أبو الهول أو المنشآت المعمارية الأثرية الموجودة أمامه بسبب المياه الجوفية.

التقرير أعده مركز هندسة الآثار والبيئة بجامعة القاهرة أثبت نقاء المياه الجوفية الموجودة علي عمق 4 أمتار و58 سم من أية عناصر ملوثة وأنها صالحة للشرب وأن آثار المياه ومصادرها الموجودة أمام أبو الهول سوف تنتهي تماماً منتصف أكتوبر المقبل.

وأكدت النتائج عدم صحة ما أدعاه غير المتخصصين من وجود خطر على تمثال أبو الهول نتيجة المياه الجوفية، الأمر الذي أثار جدلا في وسائل الإعلام.

ويوضح د. حافظ عبد العظيم مدير مركز هندسة الآثار والبيئة بكلية الهندسة في جامعة القاهرة، أن حركة ومنسوب المياه الجوفية مستقره تماما أسفل معبد الوادي وتمثال أبو الهول وأنه تم حفر 7 آبار إخبارية بالمنطقة الأثرية أمام وحول أبو الهول لدراسة معدلات حركة المياه الجوفية وأنه يتم سحب 260 مترا مكعباً من المياه التي ترد للمنطقة كل ساعة وصرفها في أنابيب الصرف وأن المياه بدأت تنحسر أمام معبد الوادي في حدود 70%.

ويشير إلى أن أربع من الآبار الاختبارية تعمل على مدار الساعة بالتبادل مع الآبار الثلاثة الأخرى، وأنه تم وضع 33 نقطة لرصد وتتبع حركة العناصر المعمارية الأثرية الموجودة بالمنطقة وتمثال أبو الهول بما في ذلك عشر نقاط للرصد فوق مباني الصوت والضوء وأن نتائج الرصد علي امتداد 30 يوما أكدت عدم وجود أية تحركات لكافة المنشآت الأثرية والمنشآت الجديدة بالمنطقة.

أبو الهول الذي خاطبة أمير الشعراء أحمد شوقي في واحدة من روائعه الشعرية قائلا «أبا الهول طالت عليك العصر / وبلغت في الكون أقصى العمر/ أبينك عهد وبين الجبال تزولان في الموعد المنتظر»..لم يسلم طوال تاريخه من نار الغيرة بخاصة جنود نابليون بونابرت من جانب الوافدين إلى مصر، حتى أن جنود الحملة الفرنسية عندما زاروا منطقة الأهرامات، وجهوا بنادقهم تجاه التمثال الصامت، إلا أنهم لم يستطيعوا النيل منه، سوى بعض التشويهات. وقبل ذلك حاول أحد المهوسين المتصوفة يدعى «صائم الدهر» النيل من التمثال بحجة أنه صنم، وصوب هو ورجاله سهامهم تجاهه فكسروا جزءا من أنفه، فيما نجح الغزاة الفرنسيون في انتزاع لحيته من وجهه، وقاموا بالاحتفاظ بها، حتى وقعت معركة بحرية بينهم وبين القوات الانجليزية في الإسكندرية. ووقتها سرق الانجليز لحية التمثال، وقاموا بنقلها إلى بريطانيا، حيث تعرض هناك حاليا في المتحف البريطاني، منذ ما يزيد على مائتي عام. ومن يومها، والأثريون المصريون يحاولون استعادة اللحية أو استعارتها، إلا أنهم في كل مرة يفشلون ولا يحققون نجاحا يذكر.

وقبل الحملة الفرنسية كان التمثال مغطى بأكمله في الرمال بجوار الأهرامات الثلاثة إلى أن تم الكشف عنه أثناء الحملة الفرنسية، وذلك عندما قامت عاصفة، وكشفت عن جزء صغير منه، وعندما تم التنقيب وإزالة الرمال وجدوا تمثالا ضخما، وكان هذا التمثال هو لأبي الهول.

يصل طول تمثال أبو الهول إلى 24 قدما وارتفاعه 66 قدما ويمثل ملوك ومعبودات الشمس، وغالبا ما تكون أوجه التماثيل التي يتم محاكاتها لأبي الهول ذات لحية، ومن فرط المحاكاة له أن وضعت عدة تماثيل على جانبي الطرق المؤدية للمعابد الفرعونية بطيبة «الأقصر»، حتى ظهرت رؤوسها كرؤوس كباش، على نحو ما هو موجود في معبد الكرنك.

التمثال الأشهر زاره أكثر من ملك ونقشوا عليه بمناسبة زياراتهم منهم «رمسيس الثاني»، و«توت عنخ آمون» الذي أقام استراحة بجوار أبي الهول، إلا أن «رمسيس الثاني» طمس نقوشه ووضع اسمه بدلا منها، ومن العصر الروماني زاره الإمبراطور «سبتموس سيفروس».

يرجع نحت تمثال أبو الهول إلى الملك «خفرع» صاحب ثاني أهرامات الجيزة. وكان «أبو الهول» قديما يسمى عند الفراعنة «بوحول»، وكان الفراعنة يطلقون على الحفرة التي بها أبو الهول «برحول» أي بيت «حول»، وعندما جاء الفرنسيون إلى مصر كانوا يقولون عنه إن اسمه «بوهول»، لكونهم لا ينطقون حرف الحاء إلى أن تم تحريفه لينطق «أبو الهول». وعندما أكمل الملك «خفرع» رابع ملوك الأسرة الرابعة في مصر الفرعونية بناء التمثال نظر إليه بعد اكتماله، وقد أخذته الدهشة وشعر بشيء من الكبرياء والعظمة لهذا التمثال الذي يقال إه يحمل وجه الملك خفرع نفسه وهو على هيئة رأس إنسان وجسم أسد رابض بقرب الأهرامات خاصة الهرم الثاني الذي بني تخليدا لذكراه. ومن هنا فقد ظل التمثال منذ 4500 سنة رابضا في هضبة الجيزة، وكان معظم الوقت مدفونا حتى رقبته في الرمال التي أسهمت في حمايته من عوامل الزمن وعلى الرغم من طول هذه المدة، إلا أن آثار الألوان الأصلية ظلت ظاهرة إلى جانب إحدى أذنيه. فيما يروى الأثريون عن لوحة تسمى «لوحة الحلم» كانت موجودة بين مخالب «أبو الهول»، تروي قصة حلم للملك «تحتمس الرابع»، تنبأ فيه ببناء الملك «خفرع» للتمثال وعندما توفي الملك «خفرع»، أخذت الرمال تجتاح التمثال بشكل تدريجي إلى درجة أن المصريين الفراعنة هجروا الموقع مع نهاية الامبراطورية القديمة، أي نحو 2100 قبل الميلاد. وهكذا دخل التمثال مرحلة النسيان لأكثر من 700 سنة، إلى أن جاء الملك الشاب «تحتمس الرابع» ونام بين مخالبه ورأى في المنام أن «أبو الهول» يكلمه، ويقول له: انظر إلي يا بني «تحتمس»، أنا أبوك «حرمخيس خفرع»، ألا ترى أنني أعاني من العذاب والألم وهذا جسمي قد أصابه الإنهاك والدمار؟ إن رمال الصحراء آخذة بالاقتراب مني.. افعل شيئا.

وما إن استيقظ «تحتمس» من نومه حتى شرع برفع الرمال عن التمثال ونحت مسلة من حجر الجرانيت الزهري كنصب تذكاري بهذه المناسبة، ويفسر علماء الآثار نص الحلم، في أنه يرجع إلى عام 1398 قبل الميلاد، وهو ما يؤكد أن دور تمثال «أبو الهول» تغير خلال ألف سنة.

وعلى امتداد تاريخه شهد التمثال ترميمات متعددة، لكن تظل المياه الجوفية وعوامل الطقس الأخرى من تعرية وتلوث، أخطر ما يواجهه بالحرمان من الحياة.