الإدمان على الإنترنت ظاهرة تقلق العلماء الألمان

صار مهرب الفاشل في الحياة العملية إلى العالم الافتراضي

صفحة «غوغل» تنعكس على عين أحد متصفحي الإنترنت (رويترز)
TT

مع تغلغل الكومبيوتر والإنترنت في الحياة اليومية، تسللت أيضا أمراض جديدة إلى القاموس الطبي. ولذا نسمع اليوم عن معاناة المفرطين في استخدام الكومبيوتر من «العين المكتبية» و«اليد المنمّلة»، الناجمة عن كثرة تعليق الساعد واستخدام الماوس، إضافة إلى إدمان شاشة الكومبيوتر.

مجموعة أبحاث الادمان في مستشفى «برلين ـ شاريتيه» الجامعي بالعاصمة الألمانية، أشارت إلى أن «إدمان» الإنترنت يصيب 10% من الألمان أو 1.5 مليون شخص، في حين كان عدد المدمنين عام 2000، حسب المجموعة ذاتها، لا يزيد على 20 ألفا. وكشف الدكتور كريستوف موللر، من جامعة هانوفر، عن نتائج دراسة جديدة حول إدمان الكومبيوتر والإنترنت والألعاب الإلكترونية، تفيد بأن معظم المعانين من الإدمان هم من الذين يواجهون صعوبات جمة في الحياة اليومية ويجدون في ألعاب الكومبيوتر والعالم الافتراضي فرصةً مؤاتية للتعويض، مع العلم أن الطب ما عاد يعرّف الإدمان على الكومبيوتر بشكل يختلف عن تعريف الإدمان على الكحول أو المخدرات أو الأدوية، وهنا المعنى الضمني لكلمة «إدمان».

فقد جاء في تقرير قدمه مولر أمام المؤتمر التاسع حول الإدمان في مدينة ميونيخ، بجنوب ألمانيا، أن الحدود بين المدمن على الكومبيوتر وغير المدمن عليه بدأت تذوب في السنوات الأخيرة، الأمر الذي يهدّد بتحوّل إدمان الإنترنت وألعاب الكومبيوتر إلى مرض شعبي. وتوصل مولر إلى نتائج مماثلة لدراسة «برلين ـ شاريتيه»؛ إذ كشف من واقع المعطيات المستمدة من عدة دراسات أن الإدمان على الكومبيوتر يشمل بين 3 و12% من السكان، وخصوصا من الشباب والمراهقين.

المهم في الأمر أن معظم الذين شملتهم الدراسات اعترفوا بشكل صريح بأن «التعلق» بالكومبيوتر سببه الخيبة في الدراسة والعمل والعلاقات الشخصية والصداقات. وهذا يعني أن المجتمع مهدّد الآن بتسرّب الاشخاص المعانين من الفشل من المجتمع إلى العالم الافتراضي الذي ينتصرون فيه على أنفسهم وعلى منافسيهم. كما أن «السرية» التي تحيط بمدمني الإنترنت والكومبيوتر عموماً تشكل غطاء تشجيعياً مهماً ودافعاً إلى الانقطاع إلى العالم الافتراضي. وتزداد الخطورة بالنسبة للتلاميذ الذين يفضلون منضدة الكومبيوتر على طاولة التعلم في المدارس.

وشخّص مولر وزملاؤه حالات المصابين بالمرض من خلال إجاباتهم على الأسئلة التي تكشف الأعراض المرضية التالية لمرض الإدمان على الكومبيوتر:

ـ تحوّل استخدام الكومبيوتر واللعب عليه والبحث في الإنترنت إلى الفعالية الاساسية التي تتملك أحاسيس المصاب وأفكاره وعمله.

ـ اللجوء إلى الكومبيوتر لمعادلة المشاعر السالبة في الحياة اليومية.

ـ يقود الابتعاد عن الكومبيوتر إلى ظهور حالات اضطراب ونرفزة وعدوانية وخمول جنسي.

ـ فقدان السيطرة على الرغبة في فتح الكومبيوتر والعمل عليه وتطور الحالة إلى هوس. ـ تحول حالة الإدمان عند المنقطع للكومبيوتر إلى هوس كما يحدث في حالات الإدمان على الكحول والمخدرات.

ـ مواصلة العمل على الكومبيوتر، 12 ساعة يومياً كمعدل، رغم معرفة الإنسان بأنه يهمل أطفاله ومدرسته وزوجته والحياة اليومية.

هذا، ويصعب على المعلمين والعاملين في دوائر الشباب التعامل مع تحول العمل على الكومبيوتر إلى حالات مرضية. ولذا ينصح مولر بتوظيف مختصين في علم نفس إدمان الكومبيوتر في دوائر الشباب والمدارس. وتكشف تجربة الدكتور كريستوف مولر أن بعض حالات الإدمان المتطورة تستوجب إرسال التلاميذ إلى المصحات الخاصة بمعالجة الإدمان، كما هي الحال في إدمان الكحول والمخدرات.

والمشكلة في إدمان الكومبيوتر هي أن «المادة» ـ والمعني بها هنا الإنترنت والألعاب ـ متوفرة بسعر رخيص في كل مكان؛ ففي حين يتطلب إدمان الكحول والمخدرات الكثير من المال لا يحتاج مدمن الكومبيوتر سوى إلى كومبيوتر قديم وباب دخول إلى الإنترنت. وبناء عليه يتوقع مولر الوصول إلى يوم تضطر فيه السلطات لوضع قيود على بيع واستخدام الكومبيوتر وملحقاته تشبه القيود الموضوعة على شراء وتعاطي الأدوية والعقاقير.