هوليوود تدلي بدلوها في معركة الانتخابات الأميركية

النجوم الديمقراطيون أكثر جرأة في دعم مرشحيهم والجمهوريون أقلية خجولة

كريستينا آغويليرا (أب)
TT

من أشهر ما نقل عن الرئيس الأميركي السابق الراحل رونالد ريغان قوله عندما يستعصي عليه شرح معاونيه لقضية سياسية معقدة: «أليس لديكم فيديو عن هذا الموضوع؟» ريغان الممثل الهوليوودي السابق صوّر دائماً في وسائل الإعلام الليبرالية واليسارية الأميركية على أنه شخص محافظ ورجعي وقليل الذكاء رأس ماله الوحيد في السياسة قدراته «التواصلية» مع الجمهور. ولئن كان جزء من هذا التصوّر أو الانطباع العام صحيحاً فهو حتماً ليس كذلك بالمطلق. اليوم تطل على الجمهور الأميركي في موسم الانتخابات الرئاسية مواقع ومدوّنات إنترنتية أحدها اتخذ اسم «روك ذي فوت» (حرّك الصوت) Rock the Vote هدفه حث الناخبين على التسجيل في قوائم الاقتراع والتوجّه للتصويت مستعينة بمشاهير الفن، وفي مقدم هؤلاء المغنيتان والمؤلفتان الموسيقيتان الشهيرة شيريل كرو وكريستينا آغويليرا. ومما كتبته كرو في الموقع: «إنني أشعر بتشوق وإثارة كبيرين للعمل مع «روك ذي فوت: في هذه الفترة العصيبة من تاريخ بلدنا. إنها اللحظة المؤاتية لكي نصحو ونمسك بأزمّة السلطة بما يتصل بمستقبل أمتنا وما تمثله من قيم». الشيء الأكيد أن الإعلام المرئي، كالتلفزيون والسينما ومواقع الكومبيوتر ومدوّناته، أصبح اليوم ذا تأثير عظيم في أميركا، خصوصاً، والعالم أجمع بصفة عامة. ثم أنه لم يعد هناك إلا لقلة من الناس الوقت الكافي للتمحيص والبحث والمقارنة ثم المجادلة، بينما يتيسّر على أي كان التلقي من دون شروط أو تعقيدات عبر فيض من المعلومات التي يُرشق بها من دون أن يسعى إليها. وبالتالي، غدا من ضرورات الوصول إلى الجمهور إيجاد «الشخصية» أو «الآلية» القادرة على إحداث «الاختراق» المطلوب، وفي ما بعد استثمار «الاختراق» لتقديم الوصفات السياسية المقترحة عند هذا الفريق أو ذاك.

السينما، كما هو معلوم، هي أقدم وسائل الإعلام المرئي، وبالتالي الأقدم تأثيراً على الجمهور. وعبر العقود صار لهوليوود، عاصمة صناعة السينما الأميركية والعالمية، مركز ثقل لا يستهان به في «قولبة» الرأي العام الأميركي أو التأثير فيه على أقل تقدير. ولئن كنا لنتذكر حملة بعض أركان اليمين المحافظ على «ليبراليي هوليوود» في حقبة هيمنة الجمهوريين على البيت الأبيض بين عامي 1981 و1993 يتأكد حجم التأثير الشعبي للسينما الأميركية على القضايا السياسية العامة، بالرغم من أن رونالد ريغان «ابن هوليوود» وأن تلك الحقبة من حياة أميركا شهدت انتصارها التاريخي الكبير على عدوها الآيديولوجي الشيوعي عام 1989.

وقبل هذا أدرك المخططون السياسيون والعسكريون الأميركيون أهمية الاستعانة بمشاهير الغناء والتمثيل والرياضة في عمليات الترفيه عن العسكريين ورفع روحهم المعنوية إبان الحرب العالمية الثانية والحرب الكروية ثم حرب فيتنام. كذلك أنتجت هوليوود أفلاماً ترفيهية وعاطفية وموسيقية استعراضية لتمجيد الروح القومية الأميركية، أو الإنسان الأميركي، وطبعاً القوات المسلحة عبر السنين، لعل من أشهرها «يانكي دودل داندي» عام 1942 من بطولة جيمس كاغني ـ المتهم في تلك الحقبة بانه يساري الميول ـ و«فاذر غوس» بطولة كاري غرانت عام 1964 و«ذي غرين بيريتس» (القبعات الخضر) عام 1968 بطولة جون وين. أيضاً، في عصر التلفزيون، الذي بدأ فعلياً في الحياة السياسية الأميركية مع المناظرة الأولى والأشهر بين جون كنيدي وريتشارد نيكسون ليلة 26 سبتمبر (أيلول) 1960، والتي يقال إن عامل التلفزيون وحده حسم المعركة بعدها لصالح كنيدي. وبعد انتخاب كنيدي كان من علامات العلاقة الوثيقة بين أهل الفن وأهل السلطة الأغنية الشهيرة التي غنتها له نجمة هوليوود المثيرة مارلين مونرو «عيد سعيد سيدي الرئيس» Happy Birthday Mr President عام 1962، وذلك قبل سنوات من انكشاف العلاقة العاطفية الحميمة بينهما. اليوم مع احتدام الحملة الرئاسية الأميركية تتوجه الأنظار كالعادة كل أربع سنوات إلى سلاح الإعلام، ولاسيما الإعلام المرئي، الذي يتوقع كثيرون أن يؤثر على نتيجة المعركة بالرغم من وضوح أو حتى «قطعية» الخيارات المطروحة أمام الأميركيين. ومن القضايا التي تهم المرشحين، وبالأخصّ المرشح الديمقراطي باراك أوباما، «تجييش» الناخب الأسود ودفعه إلى التسجيل والتصويت. والجدير بالذكر أن من الأزمات المزمنة والمتأصلة في صفوف الناخبين السود إحجام كثيرين منهم عن التسجيل في قوائم الاقتراع مما يعني حرمان مرشحيهم المفضلين من اصواتهم. والأمر الذي يزيد هذا الجانب أهمية بالنسبة لأوباما، الذي سيدخل التاريخ كأول مرشح رئاسي أسود، أن نسب الناخبين عالية في الولايات الكبيرة سكانياً، أي الولايات ذات «الثقل الانتخابي»، وفي ولايات «الجنوب العميق» التي تشكل منذ تحول الحزب الجمهوري إلى حزب اليمين المحافظ معقلاً مضموناً له.

القس جيسي جاكسون كان أول من سعى للقضاء على هذه الظاهرة السلبية قبل بضعة عقود، غير أن ترشيح الديمقراطيين لأوباما يشكل أخطر وأهم امتحان لسلبية الناخب الأسود. وهنا أهمية نشاط المواقع والمدوّنات الإنترنتية في استنهاضه سواء عبر أهل الفن أو مشاهير الرياضة أو غيرهم.

نجوم الفن، كما سبقت الإشارة، يشكلون طليعة قوة التأثير والدعاية ناهيك من قوة التبرع لتمويل الحملات. والملاحظ، أن مجتمع هوليوود ـ بل المجتمع الفني الأميركي عموماً بما في ذلك برودواي وبيئة الغناء الشعبي والريفي «الكانتري أند وسترن» ـ شهد تطوراً ملحوظاً على صعيد الميول السياسية. تقليدياً، كان الانقسام في اوساط صناعة السينما في هوليوود متعادلاً تقريباً بين مناصري الحزب الديمقراطي ومؤيدي الحزب الجمهوري. وكان يُحسب في خانة الجمهوريين كل من النجوم الكبار جيمس ستيوارت ووليم هولدن وغاري كوبر وجون وين وجيمس كاغني (الذي بدأ يسارياً) وبوب هوب وجورج مورفي وهيلين هايز ورونالد ريغان (كان ديمقراطياً في وقت من الأوقات) وكذلك العبقري الأشهر والت ديزني، وفي ما بعد فرانك سيناترا وتشارلتون هيستون وكاري غرانت.

وفي المقابل ضم «معسكر» الديمقراطيين أمثال همفري بوغارت وهنري فوندا وكيرك دوغلاس وبرت لانكاستر وجين كيلي وريتشارد ويدمارك وبول نيومان وجاك ليمون وكاثرين هيبورن وجوان وودوارد وشيرلي ماكلين وشقيقها وارين بيتي. ولكن في ما بعد، بعد حرب فيتنام وشرعة «الحقوق المدنية»، اتسعت رقعة تأييد الحزب الديمقراطي في صفوف أهل الفن عموماً وباتوا أصحاب الصوت الأعلى في هوليوود. وهذه ناحية تلفت اهتمام المتابعين كثيراً هذه الأيام.

ففي حين يبدو مناصرو الحزب الديمقراطي من نجوم السينما والفن جريئين ومباشرين في مخاطبة الرأي العام والتبرع لمرشحي الحزب والظهور في المناسبات العامة للإعلان عن دعمه له، يتردّد معظم مؤيدي الحزب الجمهوري في الإفصاح عن ميولهم السياسية ويحرصون على التغطية عليها بشتى الوسائل وتحت مختلف المبررات.

ومن الواضح أن ثمة أغلبية كبيرة اليوم في هوليوود لصالح الديمقراطيين، مقابل استمرار أرجحية للجمهوريين في صفوف مغنّيّ «الكانتري آند وسترن» ومعظمهم من أبناء المناطق الريفية المحافظة. في طليعة مناصري الحزب الديمقراطي الكثر: جين فوندا وباربرا سترايساند وتوم هانكس وميريل ستريب ومايكل دوغلاس وستيفن سبيلبرغ وجنيفر آنيستون وروزانا آركيت وداستن هوفمان وروبرت ردفورد وماري ستينبرجن وزوجها تيد دانسون وإدي مورفي ومورغان فريمان والشقيقان إميليو إيستيفيز وتشارلي شين ووالدهما مارتن شين وماغي غيلينهال وأخوها جايك والأخوة بلدوين (اليك ووليم ودانيال وستيفن) وسوزان ساراندون وزوجها تيم ووبنز وغولدي هون وزوجها كيرت راسل وابنتها كايت هدسون وجوليا روبرتس وجورج كلوني وغوينيث بالترو وجون فويت وابنته آنجيلينا جولي وروبرت دي نيرو وهايلي بيري. وكان جورج كلوني وجنيفر آنيستون وروزانا آركيت وهايلي بيري، منذ العام الماضي، في طليعة المتبرعين لباراك أوباما، بينما تبرع مايكل دوغلاس وسبيلبرغ وسترايساند بسخاء لحملتي أوباما وهيلاري كلينتون قبل انسحابها.

أما عند الجمهوريين، فبين أشهر النجوم الذين ارتبطوا بتأييد الحزب الجمهوري خلال العقود الثلاثة الأخيرة أرنولد شوارتزنيغر الذي أصبح اليوم حاكماً جمهورياً لولاية كاليفورنيا، وكلينت إيستوود الذي انتخب عمدة لمدينة كارميل في كاليفورنيا، وكذلك الممثلون والممثلات رون سيلفر (كان ديمقراطياً وأصبح من أشد أنصار الرئيس جورج بوش «الإبن» التزاماً) وبروس ويليس وتشاك نوريس وروبرت دوفال وسيلفستر ستالون وكيلزي غرامر بطل المسلسلين التلفزيونيين الشهيرين «تشيرز» و«فريزر» وباتريشيا هيتون بطلة المسلسل التلفزيوني «الكل يحب ريموند» وشيريل لاد إحدى نجمات مساسل «ملائكة تشارلي» وبو ديريك. وثمة من يضيف إلى هؤلاء النجمين ميل غيبسون وكيفن كوستنر وزميلتهما تيري هاتشر. ويبقى أن هناك «فريقاً ثالثاً» من نجوم هوليوود ملتزم بقضايا خارج الإطار العام للتنافس الحزبي بين الحزبين الكبيرين الجمهوري والديمقراطي.

وبين هؤلاء مجموعة ممَن اعتنقوا البوذية وأشهرهم ريتشارد غير وباتريك دافي نجم مسلسل «دالاس» والمغنية الكبيرة تينا تيرنر. ومَن اتبعوا «الكنيسة العلموية» Church of Scientology مثل توم كروز وجون ترافولتا وكيرستي آلي وجولييت لويس وليزا ماري بريسلي. ومَن اتبعوا «القبلاه» الصوفية اليهودية وأبرزهم مادونا وديمي مور وروز آن بار وآشتون كوتشر وساندرا برنهارد.