أميركا عام 2008: ما زالت تحلم بعائلة كنيدي

عائلة أوباما تعكس أسطورة العائلة الرئاسية الأشهَر في أميركا

عائلة كنيدي تعتبر جزءا حيويا في ذاكرة المجتمع الاميركي و يرى الكثيرون تكرارا لتلك الصورة في عائلة باراك أوباما (رويترز)
TT

عندما قال السيناتور روبرت كنيدي في كلمته امام اجتماع الحزب الديمقراطي «الحلم مازال حيا» أشار بشكل مباشر الى التأثير القوي لأسطورة عائلة كنيدي وأهميتها في مخيلة وذاكرة الشعب الاميركي. فالمقارنات بين جون وجاكي كنيدي من جهة وباراك وميشيل أوباما لا تنتهي وتشمل السياسة وصورة العائلة الاميركية كما يحبها الاميركيون وتمتد بالتأكيد الى الاناقة والملابس. وعلى الرغم من ان البعض قد لا يجد فيما ترتديه ميشيل أوباما شبها كبيرا بملابس جاكي كنيدي الا انه من الواضح انها اصبحت تتجه بشكل واضح لانتهاج طريقة لبس اشهر سيدة أولى أميركية واطلقت عليها بعض الصحف اسم «ميشيل أو» على نسق «جاكي أو» الذي اشتهرت به جاكلين كنيدي.

وتزداد المقارنة ما بين عائلتي أوباما وكنيدي خاصة أن كلا العائلتين لديهما طفلتان، ونشرت وسائل الاعلام الاميركية والعالمية اخبارا مفادها انه تم اختيار ميشيل أوباما المرشحة لتكون سيدة اميركا الاولى المقبلة لكونها ايقونة الازياء، غير ان أوباما تفاجأت بهذه الاخبار وردت عليها بالقول «إنها لطالما وصفت نفسها بالمرأة الاشبه بالصبيان ولطالما احبت الموضة والازياء ولكنها كانت دائما تعتقد بأنها لم تفلح قط في تنسيق ثيابها وهندامها».

وتزداد شعبية ميشيل اوباما في الولايات المتحدة الاميركية كونها امرأة قوية الشخصية ولها كيانها، ووجودها وكونت نفسها بنفسها وتملك مهنة مهمة، كما انها تمثل المرأة العصرية العاملة والأم الصالحة، فمنذ ان بدأت حملة اوباما الانتخابية برزت عائلة أوباما على انها عائلة متواضعة عادية جدا، فلم تخجل ميشيل من التكلم عن خصوصياتها مع زوجها، فوصفت باراك بأنه فوضوي في المنزل في غالب الاحيان يترك جواربه على الارض غير انه رجل رومانسي جدا يشتري لها الزهور ويفاجئها دائما، وتكلمت عن اللقاء الاول الذي تم بينهما في الجامعة، وكيف جعلته ينتظر فترة طويلة حتى قبلت لقاءه خارج مبنى الجامعة .

وكان لابنتي أوباما رأيهما أيضا في والدهما باراك اوباما، فوصفاه بالأب الجاد والمضجر في بعض الاحيان، على الرغم من محاولاته الفاشلة في تسلية صديقاتهما، وباحا بسر لم يعرفه الناس من قبل، يفيد بأن الايس كريم من أكلات اوباما المفضلة. وفي اجتماع الحزب الديمقراطي كان الديمقراطيون يلوحون ويرحبون بالسيناتور إدوارد كنيدي الذي يعاني من أزمة صحية. وقد أثار إدوارد كنيدي بكلمته الصلة بين أسطورة عائلته وباراك أوباما: «إن الحلم مازال قائما». ولكن مازال السؤال قائما: عندما يذهب آخر آل كنيدي، فلمن سيبقى ذلك السحر وتلك الأسطورة وذلك الأمل؟ يقول بوبي باكير بيروس مدير التصوير في مجلة لايف الذي اشتهر بصوره لآل كنيدي في حقبة الستينات: «إن ذلك ملتبس بتاريخنا الآن. إنه جزء من النسيج العضوي الخاص بنا. لا يستطيع أحد الحيلولة بيننا وبين ذلك».

وقد كان آل كنيدي دائما ما يعكسون الطبيعة الطيبة للشعب الأميركي، ودائما ما كانوا مصدر إلهام له كذلك. ولا شك أن آل كنيدي كانوا الطليعة الأولى ومصدر إلهام لأنواع جديدة من السياسيين مثلما حدث مع جون كنيدي في انتخابات الرئاسة عام 1960 وروبرت كنيدي عام 1968 ورونالد ريغان عام 1980 ويقول البعض إن الأمر كذلك مع أوباما عام 2008 . ويقول جيرالد شوستر وهو خبير في الاتصالات السياسية في جامعة بتسبرغ لوكالة اسوشييتد برس: «لو كانوا يعيشون اليوم لحققوا النجاح مثلما حققوه في الماضي. إنهم لم يكونوا يتوافقون مع جمهورهم فحسب، بل كانوا يتوافقون مع الحقبة التي كانوا يعيشون فيها. وقد كانت لهم قدرة رائعة على دمج أنفسهم مع جمهورهم».

كما كان لآل كنيدي قدرة فائقة على استخدام الأمل في إثراء طموح جماهيرهم في أية لحظة . وتقول ليتيتيا بولدريغ والتي كانت السكرتيرة الاجتماعية ورئيسة مكتب جاكي كنيدي: «لا شك أن المرء يتعلم من وجود شخص ذي شخصية مهمة يوقره الجميع، كما أن المرء يرغب في سماع ومعرفة ما يقولونه وما يفعلونه، بل وما يرتدونه من ثياب. فالمرء يتعلم الكثير عن كل شيء يفعله مثل هؤلاء».

وعلى الرغم من محاولة الديمقراطيين الربط بينهم وبين معسكرهم لأهداف تتعلق بحملتهم الانتخابية عام 2008، إلا أن من يدرس تاريخ آل كنيدي يرفض المقارنة بين روبرت أو جون كنيدي وأوباما. ويقول ثرستون كلارك الذي يعرض في كتابه «الحملة الأخيرة» للأيام الأخيرة في حياة روبرت كنيدي قبل اغتياله عام 1968: «إن الناس يتطلعون إلى الماضي في الوقت الحاضر لأننا في وقت مشابه تماما لما كان عليه الحال عام 1968 ـ فهناك حرب لا تحظى بالدعم الجماهيري وهناك رئيس لا يحظى بشعبية كبيرة يعمل على إزكاء هذه الحرب، وهناك كذلك مشكلات محلية خطيرة على الصعيد الداخلي. وقد كان الجمهور يشعر بمشاعر رائعة عام 1968، وهو يرغب في ذلك مرة أخرى. ويشعر الجمهور أن هناك أوجه تشابه عدة بين الفترتين الحالية والفترة التي كان يعيش فيها كنيدي. ومن شأن ذلك أن يزيد الإعجاب بآل كنيدي أيضا».

ومع ذلك، فإن هناك عددا كبيرا من المصوتين الأميركيين لا يعرفون عن جون وروبرت كنيدي إلا ما يخبرهم به آباؤهم وكتب التاريخ. وكذلك فإن من تبقى من آل كنيدي مثل ابنة ج. ف. كنيدي وهي كارولين كنيدي وماريا شريفر السيدة الأولى في كاليفورنيا، ليست لهما شعبية كبيرة مثل آبائهم. ويقول مايكل أوبريم كاتب السيرة الذاتية لـ ج. ف. كنيدي: «لا أعتقد أن الشعب الأميركي يعرف آل كنيدي جيدا. لقد كانوا يعملون الكثير من الأعمال الخيرة، لكنني إذا رغبت في تحديد أسمائهم فسوف يكون ذلك صعبا لغاية».

لقد كان الجمهور محتفيا بآل كنيدي في اجتماع الحزب الديمقراطي وكانوا يلوحون لتيدي أثناء حديثه، وكان الجمهور معجبا بمقاطع الفيديو ذات اللونين الأبيض والأسود والتي عرضت عن آل كنيدي، حيث ذكرهم ذلك بالزمن الجميل. بل إن بعضهم قد بكى عندما قال السيناتور: «لقد حان الوقت مرة أخرى للجيل الجديد ليتولى زمام القيادة. لقد حان الوقت لباراك أوباما». وقال أيضا: «إن ذلك الوقت يمثل بالنسبة لي فرصة للأمل».

إنه الأمل نفسه الذي كان يتحدث عنه آل كنيدي فيما مضى. فمازالت أسطورة آل كنيدي تعيش في أميركا ـ كرمز سياسي وكركن ثقافي. لقد انتقل المشعل من يد إلى يد. وما سيفعله الجيل الجديد من الأميركيين بهذا المشعل، يبقى خيارهم.