«أيام المكسيك الثقافية» تحول أصيلة المغربية إلى قطعة من أميركا اللاتينية

نقلوا إلى المدينة المغربية فنونهم وأزياءهم ومأكولاتهم

مغربي يمر بدراجته الهوائية أمام جدارية من توقيع الفنان المكسيكي «إينيس فيداليس». («الشرق الأوسط»)
TT

تفاجأ زوار أصيلة خلال شهر اغسطس (اب) الجاري، بحجم المكسيكيين الذين يتجولون في المدينة المغربية الصغيرة. ويبدو أن المكسيكيين اغتنموا مناسبة «أيام المكسيك الثقافية»، المبرمجة ضمن فعاليات موسم أصيلة الثقافي، في دورته الثلاثين، لكي ينزلوا إلى المدينة المغربية بكامل عدتهم وعتادهم، فهم لم يتركوا جانباً ثقافياً يقدم بلادهم ويعرف بها إلا وجلبوه معهم، ابتداء من الأكل والشرب، إلى عروض الأزياء والموسيقى والمصنوعات التقليدية والموسيقى، إلى درجة أنهم حولوا المدينة المغربية إلى جزء من أميركا اللاتينية، فأنت أينما وليت وجهك تجد شيئاً يحيل على المكسيك: لافتات تتحدث عن «عينة من المكسيك»، وأروقة موزعة عبر دروب وأزقة المدينة تعرض أمام الراغبين، من المغاربة والسياح الأجانب، مصنوعات تقليدية، وبالقرب من باب القصبة، صبغ المكسيكيون مقهى مغربيا باللون الوردي، ليقدموا فيها مأكولات مكسيكية خالصة.

وتقدم المكسيكيين إلى «موسم أصيلة»، الفنان والنحات العالمي «سباستيان»، الذي أهدى المدينة المغربية واحدة من إبداعاته النحتية، عربون صداقة وتعاون بين الشعبين المغربي والمكسيكي. وهي المنحوتة التي تم نصبها عند ملتقى شارعي ولي العهد ومولاي الحسن بن المهدي.

وعلى الجانب الآخر من المدينة القديمة، ساهم المكسيكيون بجداريات، وقعها كل من «إينيس فيداليس» و«غيستافو مونرو». وفي الطريق إلى قصر الثقافة، يصادفك معرض في الهواء الطلق، يقترح على المارة نماذج من الأزياء التقليدية المكسيكية، وهو معرض يعبر عن غنى وتنوع الموروث المكسيكي، الشيء الذي يعبر عن هوية تنقل لطريقة خاصة في التعامل مع الطبيعة، حيث يكون لكل منطقة زيها التقليدي الخاص بها، الذي توارثته مع الزمن، وبالقرب منها رواق تعرض فيه الأقنعة المكسيكية، حيث يتحد الواقع بالخيال في فضاء واحد، فيتحول الإنسان إلى قناع، فنكون مع الإنسان بقناع مصاص الدماء، والإنسان بقناع الحيوان، والإنسان بقناع الشيطان، والإنسان بقناع الذبابة، والإنسان بقناع القرصان، والإنسان الملتحي، والمرأة القمر، وقناع رأس الميت، وقناع إله البحر، وقناع الشيطان بقرون الخروف، وقناع الفهد. وفي المكسيك، تعبر الأقنعة عن الأرواح التي تستبد بالراقص لحظة المهرجان، هذا الراقص الذي يريد أن يكون خفياً. ويعود تاريخ الأقنعة، في المكسيك، إلى ثلاثة آلاف سنة، وتتواصل، حتى أيامنا، كشاهد عن ذاكرة مشتركة للمكسيكيين. ولا يتعلق الأمر، هنا، باستعمال القناع كعنصر لجوء للهوية، بل للبحث عن الذي يناقض هوية واضعه، حيث الغني يصير فقيراً، والرجل يتحول إلى امرأة، والشياطين إلى ملائكة.

وبالإضافة إلى اعتبارها عنصراً، ضمن فن الرقص، تعتبر الأقنعة تحفاً فنية بعضها واقعي، في حين أن أخرى متخيلة. وتقوم صناعة الأقنعة على الخشب لكنها لا تستثني الجلد والثوب والورق المقوى والعجين.

وحتى تتواصل حكاية نقل مضمون الحياة المكسيكية، من خلال عوض الأزياء، تابع جمهور المهرجان أشكالاً من الأزياء المكسيكية المعاصرة، مع بنيليدا كوفالين، وهو العرض الذي امتزج مع عرض للأزياء التقليدية المغربية. وغير بعيد عن معرض الأزياء التقليدية والأقنعة وصور الباليه، وفي الطريق إلى ساحة «القمرة»، أقيم معرض في الهواء الطلق لفنون «بورهيبيتشا»، مع سلفادور لونا، حيث نكون مع «حلقة الهويات»، التي تتواصل مكوناتها لتؤكد على ضرورة التعاون بين الشعوب، رغم تفاوتاتها واختلافاتها الثقافية.

وبالقرب «حلقة الهويات»، نكون مع «غيرة» لجوان رامون بيريز، كاختيار فني ينقل لجواب التأثير والتأثر «من العالم العربي إلى إسبانيا، ومن إسبانيا إلى المكسيك». وكانت بداية المشاركة الموسيقية المكسيكية، في فعاليات موسم أصيلة، انطلقت مع الفنانة المكسيكية عايدة كويرباس، التي تُلقب «سفيرة الموسيقى المكسيكية»، كما تعرف بمسارها الفني الكبير، وقدرتها على تلخيص كل تقاليد الغناء المكسيكي، المتأثر بحضارة أميركا اللاتينية، ذات الخصوصيات الهندية اللافتة.

كما استمتع جمهور المهرجان بعروض موسيقية مكسيكية، أخرى، تألق خلالها الفنان رايلي وفرقة مارياشي لوس كابوراليس وعزرائيل ودانييل اورتيز، والفنان خورخي رييس، ومجموعة «رايك» المكسيكية لموسيقى البوب، وكريستيان كاسترو.

وبالقرب من مركز الحسن الثاني للملتقيات الدولية، تم نصب رواق تعرض فيه ملابس وإكسسوارات «ويتشوليس»، والتي تقترح على المشترين تذكارات بألوان وأشكال تخلد لموسم ثقافي مغربي منحه المكسيكيون نكهة خاصة، حتى أنهم جعلوا من المدينة المغربية الصغيرة والهادئة رمز تلاق بين ثقافتين وحضارتين متجذرتين في التاريخ الإنساني، بخصوصيات واختلافات، تؤكد أننا خلقنا لكي نتعاون ونتواصل ونتعارف.