«القجمة».. مازالت تعمل في شوارع النجف رغم التقدم في العمر

شاحنة أدخلها البريطانيون إلى العراق قبل 100 عام

شاحنتا «قجمة» في النجف («الشرق الأوسط»)
TT

«القجمة» قارب عمرها 100 عام، عجوز لكنها بقوة الصبايا، فمنذ عشرينيات القرن الماضي دخلت هذه المركبة إلى العراق على يد البريطانيين  كآلية لنقل الجنود ولكنها أسهمت بعد ذلك وبشكل كبير في نقل البضائع والمواد الإنشائية ما جعل منها نقطة مهمة في الذاكرة العراقية. وما زال عدد من هذه المركبات يسير في شوارع النجف رغم علامات التقدم في السن، حيث استبدل اسمها الحقيقي باسم مستوحى من شكلها. إنها سيارة الحمل سعة طنين من نوع فورد، والمعروفة باسم «القجمة» التي لا وجود لاسمها الحقيقي (فورد) إلا على شباك مقدمتها. حسن علي، 45 سنة، يملك واحدة منذ أكثر 20 سنة ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «للقجمة روايتان، الاولى إنها صنعت عام 1913 أما الثانية (المثبتة رسميا في أوراق سيارة علي) فقد سجلت، مرورياً، ابتداءً من العام 1940 من قبل الدوائر الرسمية العراقية» وهذا هو العمر الرسمي الذي نتحدث عنه حين نسأل عن موديل السيارة التي مازالت، حتى هذه اللحظة، تواصل العمل وتتمتع بصحة جيدة بعد إجراء عدة «عمليات جراحية» عليها. وأضاف «أتعامل مع سيارتي كأي سيارة حديثة أسير بها في الطرقات الخارجية بسرعة تزيد على 65 كيلومترا، وهذه سرعة قد تكون غير عادية لسيارة عمرها يناهز القرن». وحول ما اذا كانت لدى علي رغبة في بيع سيارته قال «هاي أم الخبزة» أي انها تجلب الرزق لأهل البيت، ويضيف «على عينها شفت الخير». ويقول ان عائلته متمسكة بها «وأولادي يوميا يقومون بإزالة الأتربة منها  كأنها رجل مسن في العائلة» . وأراد علي اختبار سيارته امامنا لكن خيبت ظنه عندما لم تتحرك إلا بدفعة من السواق الحاضرين، الدخان الابيض  المنبعث منها يوحي بانه «دخان آخر ايام العمر» .

وانحصر عمل «القجمة» في السنوات الاخيرة في النجف والديوانية جنوب مدينة بغداد، وحسب احصائيات كان عددها في المدينتين يتجاوز 300 سيارة لكن العدد انخفض الى 10 سيارات فقط بسبب شرائها وتسقيطها لتسجيل سيارة حمل حديث، كما يقول عرفان عليوي صاحب سيارة قجمة في مدينة النجف، الذي يشكو من عدم وجود قطع غيار لهذه السيارة «لذا لجأنا الى تحوير كل شيء فيها إلا بدنها الخارجي ذات الحديد الصلب والمقاوم للرطوبة والحرارة»، ويضيف عليوي أن «الكثير من الورش الصناعية توجد في الحي الصناعي في النجف، حيث يمكن تركيب أدوات بديلة لها من محرك ومغير السرعة وبقية أجزائها المهمة، من أنواع سيارات تشبهها، وقد تم تغيير كل محتوياتها الآن تقريباً، بعد أن كانت بعد كل عطل توشك على الهلاك، فباتت تشبه القطة بسبعة أرواح». الشكل الخارجي للسيارة لا يوحي بأنها قوية أو سريعة بما فيه الكفاية، لكن أصحابها يفاخرون بها. وعن سعرها اليوم يقول أصحابها انها «لا تقدر بثمن» ويضيف أحدهم «اشتريناها منذ زمن بعيد، وكانت قيمة السيارة، آنذاك، تحسب بالدنانير أما الآن فتحسب بالملايين».

مدير إعلام مرور النجف قاسم الخفاجي قال لـ«الشرق الاوسط» ان مالكي سيارات القجمة  «استفادوا بعد قرار حكومي يمنع استيراد سيارات أقل من موديل 2006 شريطة أن يصاحب تسجيل كل سيارة حديثة تسقيط سيارة قديمة، فرفع هذا القرار أسعار السيارات القديمة إلى أكثر من 2000 دولار». وأضاف ان سيارة القجمة «يسمح لها السير في الطرقات رغم أنها ذات مقود ايمن وهو مخالف للقوانين المرورية في الوقت الحاضر لكن القرار الذي صدر بعد سقوط النظام السابق لم يشمل هذه المركبات» . وأوضح الخفاجي انه «بعد عام 2003 دخلت العراق سيارات حديثة بمقود أيمن، إلا ان دوائر المرور رفضت تسجيلها ما لم تحوَّر إلى مقود أيسر، لكن هذا القانون استثنى القجمة مثلما استثنيت من شرط حزام الأمان الذي يطبق بشكل واسع هذه الأيام في العراق».