«اِتفرَّج على الغروب يا باشا»

رغبة صِبْيَة في بيع التين زادت من شهرة هضبة «عجيبة» السياحية بمصر

استغل صبية من البدو مشهد الغروب على هضبة عجيبة لحث المصطافين المتعجلين على البقاء لالتقاط صور تذكارية («الشرق الاوسط»)
TT

«لسه بدري يا باشا.. اتفرَّج على الغروب وحتشوف العجب..»، بهذه الطريقة تمكن صِبية بدو يبيعون التين الصحراوي، ويجاهدون للتحدث باللهجة القاهرية، من تحويل منطقة سياحية غير مأهولة، هي هضبة عجيبة الشهيرة في مدينة مرسى مطروح غرب مصر، إلى مزار سياحي يغري السياح بالبقاء فيه لعدة ساعات، وإنفاق بعض الأموال هناك، بدلاً من زياراتهم السريعة التي كانوا يقومون بها وينصرفون دون أي إغراء لهم بقضاء وقت أطول، وهو ما وصفه مسؤول محلي بقوله «إن ما قاموا به بإمكانات زهيدة كان له أثر غير متوقع على المنطقة»، مشيرا أيضا إلى ما قامت به المحافظة من تهيئة لراحة زوار «عجيبة» في الفترة الأخيرة، وكذلك خططها لوضعها على خريطة السياحة العالمية مستقبلاً. واستغل صبية بدو من منطقة «أم الرخم» ومنطقتي «أبو لهو» و«السوينات» التي تعيش بها قبائل كبيرة مثل قبيلة «عميرة» وقبيلة "القناشات».. استغل أولئك الصبية مشهد الغروب الذي يخيم على صخرة عجيبة والبحر الممتد تحتها لحث المصطفين المتعجلين على البقاء لالتقاط صور تذكارية ومراقبة الشمس وهي تزداد أحمرارا وتبتعد ضاربة اللون الأزرق للمياه واللون البني الفاتح للصخور الطباشيرية بلون برتقالي خلاب. وقال محمد شتيوي، 17 سنة، الذي اعتاد بيع التين للمصطافين: «المصيفين اللي جايين من مصر (القاهرة) وإسكندرية عايزين يستحموا في البحر. يريدوا يسبحوا.. وعجيبة ما تنفع للسباحة. وعشان هك (لهذا السبب) ينظروا للصخور وينزلوا يتفرجوا على البحر، ويمشوا على طول.. ونحن نريدهم يقعدوا ويشروا تين..»، إذ تتميز تلك المنطقة الفقيرة بزراعة أغلب سكانها التين الصحراوي (البرشومي) على مياه الأمطار، إلى جوار حرفتهم في رعي الأغنام. وأضاف زميله، الذي يلقبونه باسم سعيد بو قاسم، 19 سنة، ويبيع التين أيضاً: «ساعات يجي أجانب لزيارة عجيبة.. يعني خواجات سياح أمريكيين وفرنساويين ويابانيين.. وهذول (هؤلاء) يقعدوا يتفرجوا على الشمس قبل ما تغيب بشوي، ويتصوروا صور وهم واقفين هناك، لكن ما بيشتروا تين.. أصحابي قالوا ليش المصريين والعرب اللي يجوا لعجيبة ما يقعدوش كيفهم (مثلهم).. عشان لو قعدوا سيشروا تين..».

ويقول الصبية الذين أصبحوا غير قادرين على ملاحقة طلبات المصطافين من التين بعد أن رسخوا عادة البقاء من أجل مشاهدة الغروب، إن هذه الفكرة ظلت تراودهم وظلوا يشيعونها بين رواد عجيبة منذ فصل صيف العام الماضي، وأصبحت تؤتي ثمارها في صيف هذا العام. وقال محمد يونس،17 سنة، ويبيع علب المياه الغازية وأكياس المقرمشات: «الحكومة عملت سلم ينزِّل لغاية تحت للي يريد يتفرج على الميه والصخور اللي تحت، وعملت قعدة طويلة تساع ميات (مئات) فوق.. المشكلة كانت إن المصيفين ينزلوا يتفرجوا على الصخور والميه اللي تحت ويطلعوا على عربياتهم (سياراتهم) وأتوبيساتهم (حافلاتهم) ويعودوا، لكن الآن بقوا يتزاحموا عشان يقعدوا يتفرجوا على منظر الغروب».

وتقع منطقة عجيبة التي طالما وضعتها الحكومة على خطط الاستثمار السياحية العالمية، على بعد نحو 25 كم غرب مدينة مرسى مطروح. وتعتبرها دراسات بيئية من أقل مناطق العالم تلوثا، وأقلها رطوبة، وتتراوح درجة حرارتها في الصيف بين 21 و25 درجة مئوية مقابل درجات أدنى في فصل الشتاء تصل أحيانا إلى 9 أو 10 درجات مئوية. ويقع شاطئ عجيبة في تجويف داخل حضن هضبة يتراوح ارتفاعها بين 30 و50 مترا فوق سطح البحر، وعبر سلم حلزوني ضيق مبني من الحجارة ومسور بالحديد ويبلغ طوله 140 مترا، يمكن الوصول إلى الشاطئ برماله الناصعة البياض، ويمتد عرضه بين 30 و40 مترا، لكن السباحة داخل مياهه المتدرجة الألوان تعتبر مخاطرة كبيرة حتى بالنسبة لمن يجيدون السباحة، لوجود تيارات مائية داخلية فيه، بينما يعتبرها عدد من الغطاسين المحترفين مكانا مناسبا لمشاهدة التكوينات الصخرية والنباتات العجيبة تحت المياه. ورغم إن هضبة عجيبة ومرتفعات مجاورة لها توجد بها العديد من المعالم الأثرية الرومانية والفرعونية، إلا إن هاني خليفة، وهو طالب حقوق من جامعة القاهرة، قال وهو يأكل حبات من التين الصحراوي، ويتأهب لالتقاط صور لمشهد الغروب من أعلى صخرة عجيبة، إنه لم يسمع عن وجود تلك الآثار، وإنه كان حريصا على رؤية «عجيبة» بسبب ما سمعه عن جمالها من أصدقائه. أما عن السباحة هنا فقال إنه لن يخاطر لأن مرسى مطروح بها العديد من الشواطئ الصالحة للسباحة في أمان.. «سمعت عن حوادث غرق وقعت هنا، أنا مش جاي عشان أنزل الميه، جاي أتفرج على منظر الغروب، وأتصور مع أصحابي». سعيد معلوم، 37 سنة، وهو موظف بالفرقة القومية للفنون الشعبية بمرسى مطروح، كان يستعد، مع زملاء له بالفرقة، لبدء فقرة أغاني مع غروب يوم الاثنين الماضي، وقال: بسبب الحضور الكبير للمصطافين فوق هضبة عجيبة، في الفترة الأخيرة، فقد وقع عليها الاختيار لتقديم فقرة من الفنون الشعبية لمرسى مطروح»، مشيرا إلى أن الحفلة تبدأ في الهواء الطلق وبالمجان قبيل وقت الغروب بحوالي نصف ساعة، ولمدة ساعة كاملة.

ومنذ إعداد أول دراسة عن هضبة عجيبة وصخورها وشواطئها على يد بيت الخبرة العالمي«إيلاكو» منتصف ثمانينات القرن الماضي، ومحافظة مطروح تسعى جاهدة لتطبيق تلك الدراسة بتحويل الهضبة إلى منتجع عالمي يؤمه السياح من كافة دول العالم. لكن يبدو أن المشروع تأخر كثيرا، ما دفع أولئك الصبية البدو لابتكار طرق جديدة لكسب العيش وجذب المصطافين لقضاء مزيد من الوقت وإنفاق مزيد من الأموال هنا. لكن مسؤولا بإدارة العلاقات العامة بالمحافظة قال لـ«الشرق الأوسط» إنها (المحافظة) بدأت، وبالتعاون مع وزارة الإسكان المصرية، مشروعا لإقامة منتجع سياحي، وخدمات سياحية وتجارية وزراعية أخرى بالمنطقة على مساحة نحو 48 فدانا، لتنميتها بشكل متكامل، وصولا لجعلها مقصدا للسياحة العالمية، مشيرا إلى تجربة الصبية البدو بقوله إن المحافظة هيأت المنطقة لهذا الغرض.. «حطينا في منطقة عجيبة من السنة قبل اللي فاتت، سلالم ومكان انتظار للسيارات وإضاءة ليلية، وزرعنا رأس الهضبة بالنجيل.. المكان كله كان مستني الناس تقعد وتستمتع بجمال المنظر.. ممكن العيال (الصبية) دول (هؤلاء) كانوا عايزين يبيعوا التين الصحراوي، ويمكن للسبب ده عملوا دعاية للمكان، لكن ده مش كفاية.. نطمح لعمل تنشيط للسياحة في عجيبة والآثار الموجودة فيها، وحنحطها (نضعها) على خريطة السياحة العالمية».

وإذا صدف وذهبت إلى هضبة عجيبة هذه الأيام، وحاولت مغادرتها قبل وقت الغروب، سيأتيك صوت لصبي بدوي قائلاً بلهجة قاهرية: «لسه بدري يا باشا.. اتفرَّج على الغروب، وكُل تين وادعيلي».